حاوره أحمد القوبري
هذه زاوية نطل بها على مختلف قضايا الساعة عبر حوارات سريعة نحاول من خلالها عبر ” لقاء اللواء” ان نسلط الضوء على الحقيقة وكل جديد في السياسة والرياضة وكل قضايا الوطن والمواطن .
في هذا اللقاء نستضيف اليوم شخصية مرورية رائدة من الرعيل الأول،ساهمت في رسم ملامح الإنضباط على الطرقات في زمن التحدي والبساطة، حيث كانت إدارة المرور تعتمد على الجهد البشري والميداني في غياب التقنية وتطوّر الأنظمة المرورية.
ضيفنا هو المقدم محمد بن عبدالعزيز الخاطر، مدير المرور الأسبق، أحد أبرز رجالات العمل النظامي في الثمانينيات، الذي قاد مرحلة مفصلية من تاريخ المرور، نسترجع معه الذكريات، ونستعرض التحديات، ونتأمل كيف انتقلنا من دفاتر ورقية إلى شاشات ذكية.
@ ابو عبدالعزيز .. كيف كانت بدايتك في العمل العسكري؟ ومتى ؟
•• بدأنا العمل العسكري مرشحي ضباط في دورة في الأردن سنة 1970 لمدة 12 إلى 14 شهر تقريباً ، وبعد أن تخرجنا ورجعنا برتبة “ملازم ثاني” حدثت الحركة التصحيحية ثم ترفعنا إلى رتبة نقيب (رتبتين أعلى) ، وانتقلت من قسم إلى آخر، كان يتم تعيينا بمنصب مساعد مدير ولكن لم يكن يوجد مدير ، وبدأ الإنكليز بالخروج وبقي اخواننا العرب موجودين ،
كنا ستة ضباط وبدأنا نتعين في المناصب التنفيذية في أقسام الشرطة، أنا تعينت بمدرسة تدريب الشرطة في الرميلة ثم انتقل موقع المدرسة خلف (جلعة الريان) حيث كانت مساكن للحرس الأميري ، أعطونا الموقع وأسسنا (مدرسة تدريب الشرطة) ، وهناك بدأنا العمل التنفيذي،
صرنا نحن الذين نختار ونجنّد وندرب الجنود بعد أن كان هذا الأمر بيد الإنكليز ، بدأ التدريب ثم تطور الأمر وعملنا برامج تدريب مكتوبة وبنينا فصول دراسية واستقدمنا مُحاضرين مدنيين من خارج سلك الشرطة ، وكنت احضر في قاعة المحاضرات حتى يلتزم الجنود بالحضور عندما يشاهدون نائب المدير في الفصل، وكان البعض لا يحبني أثناء العمل بسبب الحزم والضبط والربط.
ثم قمت بالإشراف على التدريب العسكري ومحاكمة المخالفين ، وبدأت الإطلاع على القوانين القطرية ، كقانون العقوبات وقانون الأسلحة وقانون المرور الخ ،
جلست ثمان سنوات في مدرسة تدريب الشرطة ، هذه الفترة أنا اعتبر نفسي قد تأسست فيها واستفدت بالفعل، فعندما كنا مرشحين في الأردن تعلمنا القوانين الأردنية ، لكن في مدرسة تدريب الشرطة تعلمت القوانين القطريةالتي أفادتني في حياتي العسكرية.
@ ما القرارات أو المبادرات التي تفخر بأنك ساهمت في تنفيذها؟
•• افتخر انني خلال الثمان سنوات في مدرسة تدريب الشرطة أسست مدرسة لقيادة السيارات الخفيفة والثقيلة للشرطة ، وبعد فترة تم تأسيس فرع لموسيقى الشرطة ، اغلبهم شباب قطريين صغار السن براتب 6000 ريال،طبعاً في ذلك الوقت كان هذا الراتب مجزي ، واشترينا حينها آلات موسيقية لكل فرد ، واحضرنا فريقا من مصر للتدريب على الآلات ، وبعد فترة أخرى ،قمنا بتأسيس جناح الأثر حتى نساعد شرطة التحقيقات الجنائية في تتبع المجرمين وأحضرنا مدربين من المانيا ومصر لوجود الخبرة والإمكانيات لديهم، وبالفعل ساعدونا في تأسيس الجناح، ثم بدأنا بعمل دورات للضباط وأفراد الشرطة مثل دورات الإنعاش وغيرها.
بعد ذلك إنتقلت إلى شرطة مسيعيد وتعينت مدير ، ومهمتنا كانت هي حماية وحراسة المصانع والمنشأت التي بدأت تنشئها الدولة هناك ، وهذه المصانع تكلف مئات الملايين وبالتالي تحتاج إلى أمن وحماية ، فعملت نظام تصريح الدخول والخروج إلى المصانع مع مجموعة من الإجراءات والضوابط والتفتيش ، كان التصريح عندما يصدر يتم وضع عليه صورة الشخص ويكون مصرّح لدخول منطقة محددة فقط، ويجب ان يكون لدى الزائر دعوة مسبقه من هذه المنشأة ، قبل ذلك، كان الدخول إلى المصانع مجرد كلام نظري ، من يشاء أن يدخل فقط يقول أريد الدخول.
وبعد سنة انتقلت إلى إدارة المرور ، وبعد المرور انتقلت إلى قسم الحراسات لمدة 3 سنوات ، وكانت مهمة صعبة ايضاً ، كنا مسؤولين عن حراسة الديوان الاميري والجهات والمؤسسات الحكومية والسفارات وبيوت السفراء.
@ كيف كانت ملامح العمل المروري في الثمانينيات مقارنة باليوم؟
•• على أيامنا كانت إشارات المرور محدودة جداً ، والرادارات لم تكن موجودة وكنا نعتمد على الدوريات ، امّا الان فقد توفرت إمكانيات كثيرة لشرطة المرور من قبِل وزارة الداخلية والدولة ، حتى لو نقارن بين قطر وبعض الدول لأخرى فنحن نعتبر “ملوك” أمامهم فيما يتعلق بالإمكانيات.
واليوم .. الله يعين المسؤولين في إدارة المرور ، فالمسؤولية أصبحت كبيرة على عاتقهم ، فالتعداد السكاني زاد، والسيارات أنتشرت، وايضاً الجسور والأنفاق في تزايد ، والشوارع أصبحت كثيرة ومزدحمة مقارنة بالماضي ، لقدتغيرت علي الآن الأماكن والشوارع وأضيع في الطرقات، فالدولة مستمرة في التوسع والتطور وبناء مشاريع ولله الحمد.
@ ما هي التغييرات التي أدخلت على المرور في ذلك الوقت؟
•• قطر هي التي اقترحت فكرة أسبوع المرور عندما أجتمعنا في السابق مع مدراء المرور في مجلس التعاون وأقنعناهم بأهمية الفكرة حتى تم اقرارها.
@ ما أبرز التحديات التي واجهتموها في تنظيم وإدارة الحركة المروريةخلال مرحلةٍ خلت من الأنظمة الإلكترونية والتقنيات الحديثة؟
•• في ذلك الوقت، كان “قانون المرور” موجودًا ومعه لائحته التنفيذية، إلا أن الإدارات السابقة لم تكن تُطبّقه بالشكل المطلوب، تفاديًا لأي احتكاك أوتصادم مع المواطنين.
عندما كنت أطبّق القانون بحزم، كان البعض يشتكي مدّعياً أنني أستحدث قوانين من عندي، قائلاً: (ولد الخاطر اخترع له قوانين خاصة) .
والحقيقة أنني لم أكن أقوم إلا بواجبي، ملتزمًا بما يفرضه النظام، إذ لا يملك أحد صلاحية وضع القوانين سوى أمير البلاد، أما دوري فكان تنفيذ ما نص عليه القانون لا أكثر.
بعض ضباط المرور كانوا يقولون بأننا سوف نصطدم باهل قطر ، فقلت لهم ان هذا القانون أصدره سمو الأمير بمرسوم وليس نحن الذين وضعنا القانون ، بل إننا مجبرون على تنفيذه ، واصريت على تطبيق القانون ، طبعاً أنا تعلمت ودرست كل هذه القوانين من خلال مدرسة تدريب الشرطة عندما كنت هناك واستفدت الكثير منها.
ومن ضمن التحديات التي واجهتنا ، كان بعض السائقين يردّون على شرطي المرور عند طلبه للرخصة بقولهم: أنت شنو علاقتك؟ (في دلالة على ضعف الوعي المروري آنذاك) ، ويعتبرونها بطولة ، يقوله أنا شرطي مرور ،كنا نقول للشرطي: خذ رقم السيارة، وسنحضر السائق بأنفسنا. وعندما نحضره، أواجهه قائلاً: إذا شرطي المرور ما يطّلع على رخصتك، من تبي يطّلع عليها؟
وللأمانة ، عندما كنا نكلم الأب ونقول له ان أبنك عمل كذا وكذا ، كان يحضر إبنه لنا ويقول سووا فيه اللي تبون ، ويقول لابنه إذا الحكومة طلبوا منك شي أسمع الكلام ، ثم نحجز سيارته ونأخذ الرخصة ، هنا ينتهي التجبر في هذا الشاب ولا يعود إلى ما قام به.
ايضاً عملت نظام فحص شديد للرخص لضمان قدرة الشخص على القيادة بأمان ، والقانون يعطيني بعض الصلاحيات للاستثناء ، فكنت استخدمها في حالات معينة وأتساهل معهم لاصدار الرخصة ، مثلاً الأطباء في المستشفيات ودكاترة جامعة قطر ، او إذا كان هذا الشخص دبلوماسي ،فهؤلاء في حاجة للرخصة فهم يذهبون إلى عملهم ثم يعودون للمنزل.
كنا نحرص على التشدد في إجراءات إصدار الرخصة لمن يكون عمله سائقًا،لأن مسؤوليته في الطريق مضاعفة وتتطلب كفاءة عالية والتزامًا تامًا بالأنظمة.
ومن ضمن التحديات ، كانت مشكلتنا في ذلك الوقت هي تعدد الجنسيات ،بحيث يتواجد مالا يقل عن 100 جنسية تقريباً ، وكل من جاء من بلده، كان يجلب معه عاداته وثقافته ، كنا في ادارة المرور نشدد في تطبيق القانون حتى يتّبعوا القانون القطري المختلف عن قوانين دولهم ، حيث ان الفوارق في القوانين بين الدول كانت تسبب لنا بعض المشاكل ، لكننا بذلنا كل مابوسعنا، والمشكلة الأخرى انهم كانوا أغلبية ، على سبيل المثال الأغلبيةالساحقة من السائقين في مصر هم المصرين ، ففي هذه الحالة ستكونمضطراً لاتباع النظام.
كذلك ، تشددنا مع شركات التأمين وأجبرناهم على الالتزام بالقانون وإعطاءالناس حقوقهم بناء على الاتفاقية.
ووكالات السيارات ألزمتهم بالتسجيل واستبدال لوحة (تحت التجربة) باللوحة الخاصة للأفراد، كان الشخص عندما يشتري سيارة ، تقوم وكالة السيارة وتضع لوحة (تحت التجربة) ثم يستخدمها المالك ، فلو حصل معه حادث وترك المكان فالمرور لن يكون لديهم علم.
واخيرًا الزمنا كراجات السيارات بنظام عدم إصلاح السيارات إلا بورقة عدم ممانعة صادرة من ادارة المرور ويتم تحديد الأضرار الناجمة عن الحادث.
@ ما نوع الحوادث الأكثر شيوعًا آنذاك؟
•• حوادث السرعة كانت أكثر شيوعاً بسبب غياب الرادارات ، وبعض السائقين الشباب ربما كانوا يعتقدون أنهم أقوى من الحديد ، وايضاً عدم الإلتزام بوضع حزام الأمان رغم أنه في ذلك الوقت كان حزام الأمان مفروضا ولكن صعب تنفيذه، والسبب ان شرطي المرور الذي يقف في الشارع ليس لديه أجهزة تساعدة لاخذ المخالفات، عكس اليوم فهناك كاميرات خاصة لمخالفات حزام الأمان لذلك الناس الآن ملتزمين.
@ كيف كانت العلاقة بين شرطة المرور والمجتمع؟
•• المجتمعات العربية عادة لا تحب الشرطة ، احنا كنا نحاول بكل جهدنا أن نعمل علاقة مع الناس ، وعند الموافقة على أسبوع المرور، بدأنا الذهاب إلى المستشفيات لزيارة الناس الذين أصيبوا بحوادث ، وكنا نذهب للمدارس وإلى التلاميذ الصغار ونعطيهم هدايا ونتحدث معهم عن الحوادث ونقول(إذا شفت ابوك مسرع قوله السرعة حرام) لمحاولة أن يكون لدى الطفل نوعمن المعرفة والوعي.
أسبوع المرور كان فرصة ، لقد فتح لنا باباً لنبدأ نتعامل مع الناس بشكل مباشر وسهّل لنا الكثير ، صرنا نقف في الشارع ليس للمخالفة ، بل لإعطاء ورد للسائقين مع توعية مرورية ، وكذلك فإن التوعية من خلال البرامج التلفزيونية كانت موجودة ، وكان لدينا ناس متخصصين في العلاقات العامة يعقدوا المحاضرات، أيضاً السائقين القدامى الذين ليس لديهم مخالفات ندعوهم ونعطيهم جوائز، تكريماً لهم وتشجيعاً لغيرهم.
في الماضي، كان آباؤنا ملتزمين بآداب المرور بالفطرة، ويتحلون بسلوكيات راقية نابعة من أخلاقهم، فمثلاً، عندما يقود أحدهم سيارته ويمر بالفريج على ناس يجلسون في الدكة أمام المنزل، كان السائق يحرص على توجيه السيارة بإتجاه الهواء حتى لا تتسبب في تطاير الغبار على الجالسين، وهذه السلوكيات كانت تتم دون الحاجة إلى شرطة مرور أو حملات توعوية، بل كانت تعكس تربيتهم وأخلاقهم الرفيعة.
@ كيف كانت استعدادات المرور للتعامل مع موسم الأمطار في الماضي؟
•• الاستعدادات كانت عند البلدية في ذلك الوقت، وكانت المجاري والبنيةالتحتية “اعزكم الله” لم تكتمل ، كنا نحن نساعد الناس قدر الإمكان لتجاوز الصعوبات.
@ ما الإجراءات التي كنتم تتبعونها للحد من ظاهرة التفحيط؟
•• إذا مسكنا الشاب متلبساً نقوم بحجز السيارة وحجز الرخصة ونكتب تقريرا إلى المحاكم ، وايضاً من يقود السيارة برعونة يتم مخالفته وتحويلة للمحاكم هو الآخر.
@ ما الذي تتمنى رؤيته اليوم في الإدارة المرورية؟
•• أتمنى من إدارة المرور مراجعة وثائق شركات التأمين ، حيث أصبحت فيمصلحة شركات التأمين بشكل غير مقبول ، على سبيل المثال ، لو صار حادث لمركبة تأمينها شامل ، فلماذا على صاحب المركبة دفع مبلغ 500 رياللشركة التأمين؟
أيضاً لماذا تقوم شركة التأمين وتُلزم صاحب المركبة بأن يدفع 50 % من قيمة قطع الغيار الاصلي.
كذلك أتمنى ان يتم سحب رخصة (السائق السلحفاة) ، الذي يمسك نصف الطريق وسرعته منخفضة جداً ولا يستجيب للاشارات ولا الهرن ، هذا غير صالح لقيادة السيارة ، ويجب محاسبة المسؤول عن اجتياز هذا السائق لإختبار القيادة ، يجب التشديد في هذا الأمر اكثر ، وإدارة المرور قادرةعلى ايجاد الحلول
@ في السابق، تم اعتماد الرخصة الخليجية لأبناء مجلس التعاون واعتبارها رخصة موحدة بين الدول الأعضاء، برأيك .. هل ساهم هذا القرارفي تسهيل حركة التنقل وتعزيز التكامل بين شعوب الخليج؟
•• صحيح هذا الأمر كان قديماً ، أيام ما أنا كنت في إدارة المرور ، مافي شك ان هذا يسهل الزيارات في دول مجلس التعاون ويسهّل بالطبع النشاط السياحي ، والعالم كله اصبح يعتمد على الرخصة الدولية.
@ ما رسالتك للجيل الحالي من رجال المرور؟
رسالتي لأبنائي من رجال المرور هي الإلتزام الشديد بتطبيق القوانين.
@ كلمة اخيرة ؟
•• أشكر سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله لما أبداه من إهتمام كريم ورعاية للمتقاعدين، وحرصه الدائم على أن يشملهم بعطفه سواء كانوا أشخاصاً (عسكريين ام مدنيين) ، ما قصر فينا إحنا المتقاعدين ،أشكره جزيل الشكر والامتنان وأتمنى له طولة العمر والصحة والعافية.
وشكراً لجريدتكم على أنكم ما زلتم تذكرونا ، وشكراً على هذه المقابلة التي أتاحت لنا فرصة بأن نفضفض عما في صدورنا ونسترجع الذكريات القديمة، وأحب ان أقول للناس لقد بذلنا قصارى جهدنا وعملنا بإخلاص في ذلك الزمن الصعب، حيث كان تطبيق القوانين وتنفيذها يواجه في بعض الأحيان تحديات بالغة وصعوبات جمة.