وافق يوم الأربعاء الماضي ذكرى مرور عامين على
اليوم الذي فرضت فيه بعض دول الجوار في منطقة الخليج والشرق الأوسط حصارًا جائرًا
وغير متوقع على دولة قطر، حينها تمثلت ردود الفعل الفورية والمفهومة بالصدمة
والقلق.
شعرت الأمهات بالقلق بشأن الحصول على حليب لأطفالهن، وخشي
الأطباء من فقدان مرضاهم لانقطاع السبل التي كانت الأدوية تأتي من خلالها، وفجأة
وجدت العائلات نفسها منقسمة ومشتتة على جانبي فاصل جغرافي لم يكن موجودًا في
الليلة السابقة إلا على الخريطة. خشي طلاب من بعض الدول من عدم قدرتهم على إكمال
دراستهم في دولة قطر، في الوقت الذي طُلب فيه من جميع الطلاب القطريين في دول
الحصار المغادرة فورًا.
لكن رد الفعل شيء والاستجابة شيء آخر تمامًا. فبعد أربعة وعشرين
شهرًا من بدء الحصار، لم تكتف دولة قطر بتجاوز الأزمة، بل أثبتت أن الخيارات
الاستراتيجية التي اتخذتها منذ عقود منحتنا الإصرار والعزم اللازمين للمضي قدمًا
وتحقيق التقدم والازدهار المنشودين، وذلك كله عبر جسور المعرفة.
تضم مؤسسة قطر، التي أتشرف بقيادتها، طلابًا من أكثر من 60 بلدًا في جامعاتنا الشريكة – نورثوسترن، وجورجتاون، وفرجينيا كومنولث، وتكساس إي أند أم، ووايل كورنيل، وكارنيجي ميلون، وكلية لندن الجامعية، وجامعة الدراسات العليا لإدارة الأعمال HEC Paris في قطر، وجامعتنا المحلية حمد بن خليفة، وعندما خيّم الحصار، تأثر في البداية بعض من هذه الجامعات سلبيًا.
مُنع بعض الطلاب من العودة من بلدانهم إلى الدوحة
لإكمال دراستهم. أحدهم كان يفترض أن ينهي السنة الأخيرة في دراسة الصحافة لكن
منعته إحدى دول الحصار من العودة إلى قطر، وانتهت سنواته الدراسية التسع عشرة التي
قضاها في رحاب مدارس مؤسسة قطر دون درجة جامعية. ورغم أن الغالبية العظمى من
طلابنا لم يتوقفوا عن الدراسة، إلا أن منع التعليم الذي قد يطال طالبا واحدا في
ظروف خارجة عن إرادته، يعكس نتائج وخيمة على الكثيرين. أدركنا عندما جاءنا هذا
الحصار الجائر أهمية دعم الشباب الذين لم يكونوا يفهمون التأثير المفاجئ للجغرافيا
السياسية على تعليمهم. وعندما اقتضت الحاجة، ساعدنا بعض الطلاب في إكمال دراستهم
في الحرم الرئيسي لجامعاتنا، كما ضاعفنا جهودنا لجعل دولة قطر وجهة لسعاة العلم
وطلاب المعرفة من الشباب من أنحاء المنطقة والعالم. قد تسألون: لماذا هذا مهم؟
لماذا تركز دولة خليجية في ظل هذا الحصار على التعليم؟ لماذا يهمنا كثيرًا أن يكون
الطلاب أحرارًا في إطلاق العنان لقدراتهم دون قيود؟
أسست والدتي، صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، مؤسسة قطر قبل
قرابة خمسة وعشرين عامًا، واضعة نصب عينيها تعليم الشباب والشابات منذ نعومة
أظفارهم ومدى الحياة، وذلك انطلاقًا من إيمانها بقدرة التعليم على النهوض
بالمجتمعات. إن الوصول إلى المعرفة من أثمن حقوق الإنسان، الذي يعد أساس النمو
سواء من الناحية الأكاديمية أو الشخصية. ومن خلال التعليم، يمكننا أن نسعى جاهدين
لإحداث أثر إيجابي على المجتمع المحلي والعالمي، ومن خلال النقاش المستنير
والابتكار يمكننا مجابهة العديد من التحديات التي يفرضها علينا العالم.
عقدت مؤسسة قطر شراكات مع مجموعة من أفضل
الجامعات في العالم لتأسيس فروع لها في دولة قطر توفر تعليمًا عالي المستوى في
مجالات الطب، والهندسة، والفنون، وعلوم الحاسوب، والعلاقات الدولية، والأعمال،
وإنشاء كلية صحافة فريدة على مستوى المنطقة. هذه البرامج التعليمية ليست سوى جانب
واحد من جوانب هذا الاستثمار الذي لم تثنه الأحداث التي وقعت قبل عامين بأي شكل من
الأشكال عن استكمال مسيرته المشرقة.
منذ أن فرضت هذه الدول حصارها الجائر على وطننا الحبيب، قمنا
بافتتاح مدارس جديدة، ومكتبة قطر الوطنية، ومركز سدرة للطب الرائد المختص بعلاج
النساء والأطفال الذي يضم كذلك مرافق عالمية للبحوث الطبية المتميزة مثل تطوير
البروتوكول الرائد لإدارة مرض السكري الذي يوفر وصولا أسرع وأكثر أمانًا إلى
العلاج.
إضافة إلى ذلك، عززنا دورنا كمركز إقليمي
للابتكار من خلال إطلاق الأكاديمية العربية للابتكار التي تحتضنها واحة قطر للعلوم
والتكنولوجيا، عضو مؤسسة قطر. وقد استقطبت النسخة الثانية في يناير من العام
الحالي 160 مبتكرًا شابًا وخبراء ومستثمرين من أكثر من ثلاثين دولة حول العالم.وقبل بضعة أسابيع،
وقفت بكل فخر على المنصة مع نحو 800 خريج وخريجة من جامعات مؤسسة قطر الشريكة
والأعضاء، لإسدال الستار على إحدى مراحل حياتهم وبدء مرحلة جديدة. وبدلًا من أن
تنخفض أعداد طلابنا من الدول الأخرى بعد الحصار، شهدنا في هذا العام قدوم عدد من
الطلاب فاق العام الماضي.
دفعتنا السنتان الأخيرتان للتفكير مليًا في سبب اختيار التعليم
كأولوية قصوى لنا، وما حققه ذلك لدولة قطر. فبالإضافة إلى خلق الفرص للعديد من
الشباب الطموح، فإن استثمارنا في التعليم بعث برسالة إلى المنطقة والعالم مفادها
أنه لا توجد حدود أو قيود يمكنها أن توقف انتشار المعرفة ونفع الابتكار. لقد مررنا
باختبار، وأعتقد أننا نجحنا لأننا من دون أن ندرك، كنا نستعد له منذ خمسة وعشرين
عامًا.