حوار مع الدكتور أسامة الأشقر المؤرخ والمفكر الفلسطيني :  غزة أعطتنا النموذج الأعلى في مواجهة المشاريع الاستعمارية 

حاوره : أحمد القوبري 

هذه زاوية نطل بها على مختلف قضايا الساعة عبر حوارات سريعة نحاول من خلالها عبر ” لقاء اللواء” ان نسلط الضوء على الحقيقة وكل جديد في السياسة والرياضة وكل قضايا الوطن والمواطن . وضيفنا اليوم هو المؤرخ والمفكر الفلسطيني الدكتور أسامة الأشقر.

* لديكم مسيرة مهنية حافلة، حدثنا كيف بدأت رحلتك الأكاديمية و ما الذي جذبك لدراسة اللغة العربية والأدب؟  

مسار التأسيس الأكاديمي يختلف عندي عن مسار التأسيس المعرفي فأنا ابن مدرسة تقليدية قديمة تحفظ المتون التعليمية وتجالس العلماء وتزاحمهم الرُّكَب وتنال الإجازات في العلوم الأساسية وعلوم الآلة، وأما الدراسة الأكاديمية فقد كانت متوازية مع التطور المعرفي الذي كنتُ أناله من المسار الآخر، وقد تعلّقت بالعربية لأنني أردتُ أن أكون مخاطَباً بنصوص الكتاب والسنّة، ويحتاج المخاطَب إلى أن يكون فاهماً متدبّراً لِما يتلقّاه، لذلك اعتنيتُ بعلوم العربية من نحوها وصرفها وأدبها وبلاغتها ونقدها ومتنها اللغويّ عناية خاصة.

حافظة شعرية مميزة

•نعرف أن د أسامة له حافظة شعرية مميزة بل مشاركة في كتابة الشعر ، فهل شخصية أسامة المؤرخ طغت على شخصية أسامة الشاعر؟ 

بدأت علاقتي مع الشعر بكتابة المنظومات العلمية والمقطوعات المعرفية التي ألخّص فيها ما أتعلّمه من مشايخي، ثم وجدتُ نفسي أكتب المطوّلات الشعريّة والقصائد، لكنّ ولادة القصيدة عندي كانت عملية مرهقة جداً لروحي، وكنت أعاني جداً في ميلادها، ولا تنفكّ عني آثار الولادة لساعات أكون فيها متوتراً جداً، لذلك قللت من قول الشعر إلى قصيدة واحدة في العام أو في بعض المناسبات، وكنّا أيضاً نحفظ الكثير من المعلقات ودواوين الشعراء الأوّلين مثل الشعراء الستة وأشعار ذي الرمّة والمنظومات العلمية التي تأتي على شكل القصائد كالمقصور والممدود لابن مالك ومقصورة ابن دريد؛ وقد تأسست على اللغة أول أمري ثم اعتنيت بتاريخ الأدب وتاريخ الألفاظ والتراكيب وكانا مدخلاً لي في تحقيق التاريخ في الصدر الأول، وبقيت شخصية المؤرخ المصطبغة النمط الأدبي في أسلوبه هي الأغلب عليّ. 

* من هي الشخصيات التي أثرت في مسيرتك الفكرية؟ 

لعل الشخصية الأبرز في تكويني الفكري كانت والدي الأستاذ جمعة الأشقر “رحمه الله” فهو مدرس للغة العربية وكان يأخذني في صغري ويجعلني في مكتبة المدرسة صيفاً ويضع بين يديّ الكثير من القصص والموسوعات الصغيرة، وعندما تلقّيت العلم فإن أكثر مَن أثّر فيّ هو شيخي أحمدّو ولد محمد حامد الحسني الشنقيطي وهو أحد أئمة اللغة الشناقيط، وفي الفقه الشافعي فهو شيخنا الحبيب زين إبراهيم باسميط، وفي الأدب والنقد الدكتور أحمد مختار البزرة والدكتور عبد الباسط بدر، وفي البلاغة الشيخ أحمد القلاش، وفي الحديث الشيخ مصطفى عبد القادر القلاوي الشنقيطي، وفي القرآن الشيخ أحمد إسماعيل مكتي، وفي المربع الفكري تأثرت في أوّل أمري بمروحة كبيرة من الدعاة والمفكرين من الإسلاميين والقوميين والأساتذة التجريديين.

•في السلم الأكاديمي نعلم انه ينتهي بالدكتوراه والأستاذية في علم معين ، لكن أن يكون للإنسان 4 أو 5 اطروحات دكتوراه في ميدان مختلف فهذه من نوادر العلوم ، حدثنا عن ذلك؟ 

أوّل شهاداتي العليا كانت في فلسفة اللغة العربية في جامعة الخرطوم، وعملتُ بعدها أستاذاً فيها بقسم مطلوبات الجامعة بدعم من أساتذتي البروفيسور الحبر يوسف نور الدايم والبروفيسور عز الدين الأمين والبروفيسور عبد الله الطيب “رحمهم الله” ، وعملت أيضاً في كلية الآداب متعاوناً، وعملت في قسم الدراسات العليا بجامعة النيلين، لكن التدريس في الجامعات أرهقني جداً بكثرة وظائفه والتزاماته فاستقلت بعد سبع سنوات، وبما أن العلوم الإنسانية ذات مداخل متقاربة واتجاهات متوازية فقد كنت أحمل معي أثناء البحث والتأليف الكثير من المعطيات الخاصة المتعلقة بعلوم منها، وكان لدينا إمكانية للدخول في هذه التخصصات القريبة من مدخل الدكتوراه الأولى التي أحملها إذ هي التي تؤهلني لتقديم أطروحة ماجستير في التخصص القريب، ومن هنا حصلت على دكتوراه أخرى في الإعلام، ودخلت تخصصات التاريخ والفكر السياسي ومجالات أخرى. 

دراسة تاريخ القدس وفلسطين 

* ما الذي دفعك للتعمق في دراسة تاريخ القدس وفلسطين في حقبة صدر الإسلام؟ وكيف ترى أهمية هذه الدراسات في الوقت الحالي؟ 

مع بداية نضجي في تحقيقات تاريخ الأدب وجدتُ نفسي متجهاً صوب دراسات أكاديمية تضيف إلى مسيرة الشعب الفلسطيني في مقارعة الاحتلال حتى لا يكون علمنا بلا نفع، فكانت دراساتي الأولى تتعلق بالتراث اليهودي الأدبي في الحجاز وشمال جزيرة العرب، ثم انفتحت عليّ الأسئلة في كيفية حياتهم وتعاملاتهم وأدوارهم وحضورهم، وامتدّت الأسئلة لفهم بدايات الإسلام في فلسطين والمسارات التي أوصلت إلى فتحها، وعند ذلك وضعت خبرتي وتجاربي كلها في وضع هذه المسارات وفهمها.

* كيف ترى دور المؤسسات الثقافية في الحفاظ على الهوية الفلسطينية ونقل الرواية الفلسطينية للأجيال القادمة؟ 

المؤسسات الثقافية ذات مسار استراتيجي، وأي مسار ليس فيه حضور ثقافيّ فإنه مسار ينتهي بالتيه والضياع لافتقاره إلى القيم التي يزرعها أثناء عبوره في هذا المسار ويُراكم فيه مضامين هذه القيم ومحتوياتها، وحتى الآن فإن المسيرة الثقافية الفلسطينية ما تزال ضعيفة لا توازي المسارات الأخرى، وهي تكتفي بالمواكبة التفاعلية، ولا تجد من يحملها لتكون جبهة كاملة تقاتل أوقات السلم خاصة عندما تهدأ المعارك ويتأخر الاشتباك، ولهذا فإن المؤسسات الثقافية الفلسطينية المحدودة والتي لا تجد عناية في سياق الأولويات لا يُعزَى إليها الكبير من الفضل في الحفاظ على الهوية الفلسطينية بقدر ما فعلته التجمعات الفلسطينية في المخيمات والأحداث الفلسطينية الكبيرة المتجددة التي تستمر في التواصل مع الأجيال بقوّة تأثيرها.

تحديات الكتابة عن فلسطين 

* ما هي أهم التحديات التي واجهتك أثناء كتابة سلسلة كتبك عن القدس وفلسطين؟ وما هي الرسالة التي تسعى إلى إيصالها من خلال هذه الكتب؟

الإشكال الكبير كان في قلّة المعطيات وندرة المصادر ولاسيما في تاريخ فلسطين والقدس وصدر الإسلام، وكان عليّ أن أقوم بالكثير من العمل وفتح التخصصات لإيجاد مداخل منطقية تستطيع توصيل نقاط المعطيات القليلة ببعضها وتأسيس سيناريوهات أوّليّة أكرر اختبارها حتى تنضبط في رواية تاريخية مقبولة في عملية تركيبيّة شديدة التعقيد، وتعتمد رسالتي على توليد منهج تاريخيّ يقدّم رواية متماسكة حول تاريخ فلسطين وارتباطها بما حولها.

* لقد وثقتم في كتابكم أرواح الطوفان قصصا ملهمة لشهداء الأقصى، حدثنا عنها؟ وكيف قمتم بجمع هذه القصص؟ وما التحديات التي واجهتكم خلال الإعداد للكتاب؟ 

من أهم المصادر التي استخدمتها في جمع مادة هذه الرحلة صفحات هؤلاء الشهداء في منصات التواصل، وصفحات أهاليهم المثبتة، وقيمة هذه الصفحات أنها مصادر مباشرة موثوقة لم تتعرض للاستهداف أو التشويه أو التزوير، وفيها العشرات من التوثيقات المؤكدة لصحّة نسبتها إلى أصحابها؛ كما اتصلت بعدد كبير من معارفهم وأقاربهم هاتفيّاً لأحصل منهم على ما يفيد في تقرير اللحظات الأخيرة في حياتهم الدنيا؛ كما اعتمدت على أرشيفي الخاص الذي جمعته على مدار ثلاثين عاماً لإكمال المشهد الكلّي للشخصية التي أترجم لها من خلال ما يحيط بها ومن يحيط بها.

وكان بعضهم رأى في نفسه أن سيرته ستكون دعوةً ملهمة فأحبّ أن يجعل بعضها بين يديّ لعلها تكون صدقة جارية له، ويستدعي دعاءَهم بتذكّره؛ وقد عجبت لبعضهم الذي أرسل لي حتى صور أطفاله ووثائقه الشخصيّة وذكرياته التي يحبّها، وجعلها عندي قبل وداعه رغم أنني لم ألقَه يوماً.

ويهتزّ بدني عندما أرى أن السير المجهولة لكثيرين من المشهورة قصتهم المؤثرة الفارقة قد باتت عندي بعد أن رحل أشد الناس قرباً منهم، وكأنّ الله يجعل ذلك عندي أمانةً واجبة الأداء.

اتفاقية أوسلو 

* لقد صرحتم سابقا بأن اتفاقية أوسلو تعدَ انحرافا عن مسار تحرير فلسطين ،، اشرح لنا وجه نظرك ؟

خطورة هذا الاتفاق أنه جاء في سياق هزيمة للمشروع الفلسطيني، وبالتالي فإنه قام في ظروف غير متكافئة، وجرى فرضُه على قيادة منظمة التحرير آنذاك، وكانت مقدماته كارثية تقضي بضم أكثر فلسطين إلى العدو والاعتراف بهذا الكيان المحتل، وربط مصالح الشعب الفلسطيني ومصيره معه، وبما أن المقدمات كانت كارثية فإن النتائج كانت تتأسس على هذه الكارثة، فقد تحوّلت مؤسسات السلطة في حقيقة الأمر إلى إدارة بلدية للاحتلال، كما أنها تقوم بأكبر وظائفه بمنع المقاومة وفرض الأمر الواقع عبر منظومة التنسيق الأمني التي هي في حقيقة الأمر عمالة رسمية.

*  كونك رئيس مجلس إدارة مركز المخطوطات والوثائق الفلسطينية، فما هي أهمية حفظ المخطوطات والوثائق الفلسطينية؟ وكيف يمكن الاستفادة منها في البحث والدراسة؟ 

ابتدأت الفكرة بإنشاء أول موقع الكتروني للصور الفوتوغرافية والوثائق من عدة حقب تاريخية يضم أكبر مجموعة من الصور والوثائق الأصلية تعود إلى القرن التاسع عشر مرورا بالعهد العثماني حتى أوائل القرن العشرين ومن ثم الانتداب البريطاني وما بعد النكبة الفلسطينية.

كما يتضمن مخطوطات كاملة كتبت في فلسطين أو تحدثت عن فلسطين أو هي موجودة فيها الآن، ويحتوي القسم المصور من الأرشيف على آلاف الصور النادرة التي تشهد على أنماط الحياة الاجتماعية والسلوكيات الدارجة في حقب زمنية مختلفة ومن نواحٍ عدة في سائر مدن وقرى فلسطين حيث تتميز الصور بقدرتها على نقل المعلومات التاريخية المفصلة والدقيقة بشكل لا يمكن للنصوص المكتوبة أن تجاريها فيه، وهي الوسيلة الأكثر قدرة على نقل المعلومات وتوثيقها؛ وباستنطاق تلك الصور يمكن الحصول على معلومات تاريخية عن الحياة بمُختلف جوانبها.

أما الفرع النصي من الأرشيف فهو يضم مجموعة كبيرة ونادرة من وثائق ومستندات تاريخية ثقافية وسياسية من فن وأدب واجتماعيات وفرمانات وسجلات من المحاكم الشرعية ومستندات تابعة لدائرة الأوقاف في فلسطين, والعديد من الوثائق الحكومية والوثائق غير الرسمية ، ويشمل الأرشيف أيضاً كتباً وسجلات إحصاء عدة في فلسطين لحقب زمنية مختلفة، كما يضم المركز قسماً للمخطوطات التراثية المتعلقة بفلسطين، ويضم المركز أيضاً قسم الأبحاث والدراسات الخاصة لتدوين وتوثيق الحقب التاريخية في فلسطين بالإضافة إلى تقديم دراسات وأبحاث جامعية ونشرها.

القدس عاصمة للثقافة

*  لقد تقلدتم منصب رئيس المكتب التنفيذي للحملة الأهلية لاحتفالية القدس، فما هي أبرز الإنجازات التي حققتها الحملة؟ وكيف ترى دور القدس كعاصمة للثقافة العربية؟ 

  شكّل إعلان مسقط عام 2006 باعتبار القدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009 تحدياً حقيقياً أمام الأمة العربية بكل أطيافها ومكوناتها، الرسمية والشعبية، وأضحت أمام اختبارٍ عملي تُترجم فيه رمزيّة هذه المدينة وأولويّتها إلى فعلٍ وثقافةٍ ووعي، وتُثبت فيه أن القدس فعلاً تشغل الوعي والفكر في كل المناحي وليست مجرد رمزٍ تمرّ عليه في خطبة انفعالية ثم تنساه؛ هذه الأمة باختصار تقف أمام ذاتها في اختبار: هل هي تستحق القدس، أم لا تستحقها، وكما كان هذا الإعلان تحدياً، فقد شكّل في الوقت عينه فرصةً تتوق إليها المدينة الرابضة في القيد، فرصةً لخلق تحرّكٍ عربي شامل في الفكر والثقافة والوعي والممارسة.

فالمدينة يعمل فيها مبضع المشروع الصهيوني المظلم والمتمادي في شراسته في هذه الأيام ليُلبس هذه المدينة اسم “أورشليم”، وليزرع لها لساناً عبرياً مكان لسانها العربي المبين، وليفرض عليها رموز ثقافةٍ مفتعلةٍ هزيلةٍ يُدرك كل من يراها أنها غريبةٍ عن المكان وتراثه وسكينته ورونقه، مشروعٍ يزوّر التاريخ ليقول أن هذه المدينة يهودية الطابع والثقافة والتاريخ، وكانت القدس بحاجة إلى مشروعٍ ثقافي فكريٍّ يجابه هذا الظلم والتزوير، ويحفظ لها وجهها العربي وطابعها العريق المنقوش في كل حناياها، ويسندها في صمودها أمام ثقافة الظلم والتزوير، ويزرعها في عقل وقلب من تشتاق لهم ويشتاقون لها، وقد جاء إعلانُها عاصمةً للثقافة العربية ليُشكّل فرصةً ذهبيةً عملنا بجهد على استغلالها، وتحريك مستوى ثقافي منسيّ يسند صمود المدينة في معركة الوعي والثقافة، وفي معركة البقاء والتصدي، حتى يحين وقت عودتها إلى حضن أمتها؛ والمختلف في حالة القدس هو أنها مدينة تحت الاحتلال، وهو ما يجعل إنجاز الاحتفالية على وجهها المعتاد أمراً مستحيلاً، وهو إن تمّ يشكّل شكلاً من أشكال الاعتراف بشرعية الاحتلال، ناهيك عن أن الاحتلال سيكون متحكماً بصورة هذه الاحتفالية ومحتواها. 

لذلك حرصنا على أن تكون الاحتفالية “من أجل القدس”، حيث انطلقت فعالياتها من مختلف الدول العربية وأوروبا شوقاً لاحتضان القدس من جديد، فتعبّر عن شوقها هذا بمختلف أشكال الفعاليات الثقافية والفنية، وتحيي وتستعرض وتنشر المخزون الثقافي الثريّ لهذه المدينة المقدّسة المغيبة في ليل الاحتلال؛ جرى التنسيق مع مئات المؤسسات والهيئات الفكرية والثقافية والفنية لضمان مشاركتها الفاعلة في فعاليات الحملة الأهلية أو فعاليات القدس عاصمة الثقافة العربية بعامة، وقد التزمت بعض هذه الجهات بتنفيذ مشروعات كثيرة بالتعاون مع الحملة أو بالتنسيق معها؛ ومنها: (  وزارات الثقافة في الدول العربية – اتحاد الكتاب العرب في سوريا – اتحاد الكتاب والأدباء العرب – اتحاد الصحافيين العرب – الهيئات العامة للكتاب – الفضائيات الرسمية والخاصة – اتحادات الناشرين – اتحادات الفنانين التشكيليين – اتحادات المهندسين والمحامين – المتاحف الوطنية والتاريخية – الأحزاب العربية الوطنية – لجنة المتابعة العليا للمؤتمر الوطني الفلسطيني – مجمع بحوث بيت المقدس – مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي – الندوة العالمية للشباب الإسلامي … )؛ وقد رعت الحملة الأهلية مئات الأعمال الخاصة بفلسطين والقدس مما قامت به جهات أخرى، ورغبت أن تُعرض أو تصدّر باسم الحملة الأهلية ( الفيلم الكرتوني : جدار في القلب، عشرات المسرحيات، عشرات الحفلات الفنية الوطنية، عشرات الأسابيع الثقافية والفكرية، عشرات المهرجانات الثقافية في العواصم والمحافظات، المعارض الفنية والثقافية ، مئات المحاضرات والأمسيات والأصبوحات والندوات…)، وقد ركزنا على ضرورة التقليل من الفعاليات الصغيرة والتركيز على المشروعات الكبيرة ذات الحضور الإعلامي والشعبي، وإعادة تركيز العمل في أقطار محددة وفاعلة، وتوزيع الفعاليات المركزية على الأقطار، وبناء مشروعات ذات طبيعة مستمرة لا تتوقف بتوقف الحملة، والاستفادة من طاقة الشباب في مشروع حملة التضامن الإلكترونية، وتأسيس أول مجتمع إلكتروني يكون موضوعه القدس عبر نوافذ إلكترونية واسعة.

دور مراكز الأبحاث 

* كيف ترى دور مراكز الأبحاث والدراسات في دعم القضية الفلسطينية؟ 

قوة هذه المراكز وأهميتها تأتي أنها تؤدي وظائفها داخل المطبخ السياسي أو العسكري أو الأمني أو الإعلامي، وأنها مراكز لصنع القرار أو دعمه، وأما إن كانت واجهات إعلامية أو استعراضية فإنها لا تكون ذات أهمية.

* هل ترى أن الإعلام قد نجح في نقل الصورة الحقيقية للقضية الفلسطينية ؟ وكيف يمكن مواجهة حملات التشويه والإساءة؟

ليس للإعلام سياق واحد، وكثيراً ما يضبط المموّل اتجاه الإعلام ويحدد نتائجه مسبقاً ، وبما أن أكثر الإعلام الغربي خاصة خاضع لسياسات تخدم الاحتلال فإن هذا الإعلام كان متورطاً في الحرب على فلسطين، لكن الإعلام الحديث الذي انفتح على الأحداث مباشرة وامتلك الوسائل المستقلة بما يمكن تسميتها بصحافة الشعب فإنه استطاع أن يخلّق مشهداً مختلفاً عن السياق التقليدي القديم، وحرر الإعلام من سطوة التحكمات والنفوذ السياسي والمالي والأمنيّ، وكما أنّه خلق فرصاً جديدة فإنه زاد من رقعة الحرب بدخول القوى القديمة في هذه المنصات الحديثة وإشغالها بحملات ممولة لتضيق الخناق على جبهات الحرية المفتوحة مما خلق منافسة إعلامية هائلة تعتمد على مشاهد توثيقية هائلة لم تتح من قبل، وهذا يتطلب وجود عقول استثنائية تقود هذه الحالة بطرق غير مباشرة وغير تقليدية.

الحرب على غزة 

* كيف تنظر إلى الحرب على غزة، ومن وجهة نظرك كيف يمكن إنهاء هذا الدمار؟ 

الحرب على غزة هي حرب على القدس وفلسطين وهي حرب على الأمة كلها، وقد أعطتنا غزة النموذج الأعلى في مواجهة المشاريع الاستعمارية باستعمال فائق القوة المستطاعة لكسر هذا الجنون الاستعماري وتعطيل مشروعات إخضاع الأمة، وهذا الدمار هو من صنع هذا الاحتلال، ولا يمكن وقف هذا الدمار بشكل جذري إلا بتعاقد الأمة على ضرورة مواجهة هذا الكيان الإسرائيلي عملياً وبفعل شاملٍ لا يستثني الخيارات القاسية.

*   كونك درست في جامعة الخرطوم وفي أم درمان، وعملت كمستشار سياسي بمركز الراصد للدراسات بالسودان، ما هي أبرز التحديات التي تواجه السودان حاليًا؟ 

السودان يتعرض لواحدة من أبشع الحروب التي استخدمت فيها نقاط الضعف الداخلية لتمزيق وحدته وتفتيت مؤسساته وفرض مسارات عليه لا تحقق مصالحه، وتكمن أبرز التحديات اليوم في وقف التدخلات الخارجية المعادية التي تنصر الميليشيات القبلية وتساندها، والعمل على تسريع وقف الحرب وإسناد القوات المسلحة لفتح مسار سياسي مباشر يعمل على ترميم الوضع الراهن ويشكل حكومة تزيل آثار الحرب وتستفيد من دروسها. 

*  كيف ترى مستقبل السودان في ظل الأحداث الأخيرة؟

ما يزال السودان تحت نار قاسية وما تزال دول الإقليم والمجتمع الدولي يؤخر اتخاذ القرار الحاسم رغم وضوح الصورة لديه بقرب انهزام المشروع التفكيكيّ، ويبدو السودانيون اليوم واعين بما يجري فتراهم يعتمدون على أنفسهم كثيراً في حسم الملفات الداخلية وإجبار العالم على تأسيس مسار جديد يُخرج هؤلاء المتدخّلين العابثين من الأبواب والنوافذ التي دخلوا منها دون استئذان، وأرجح أن السودان لن يلبث أن يتعافى قريباً وسيكون بلداً مختلفاً يحمل بواعث جديدة للانطلاق.

فتح العقول والاستثمار في الوعي 

* وأخيرا .. ما هي الرسالة التي توجهها للشباب الفلسطيني والعربي؟

في كل لقاءاتي مع الشباب كنت أدعوهم إلى فتح عقولهم والاستثمار في وعيهم، فقد أتيح لهم مستوى من المعارف والتسهيلات المعرفية في الصوت والصورة والمعلومة ما لم يُتَح لغيرهم، وكنتُ أركّز في نداءاتي لهم على ضرورة تشخيص المشكلات التي تعترضهم وتوصيفها وفهمها وعدم الإفراط بالانشغال بالحكم عليها، وهو الأمر الذي سيعطيهم الفرصة بتحديد العلاج المناسب لها، كما كنت أدعوهم إلى تحديد هدفين في حياتهم: واحد على المستوى الشخصيّ الفرديّ الذاتيّ، والآخر على المستوى الجمعيّ الأمميّ ليتحقق التوازن لهم وبهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى