كلنا يتذكر الساعات الأولى للمحاولة الانقلابية الفاشلة التي حصلت في تركيا منتصف يوليو ٢٠١٦ وحينها وجهت السلطات التركية أصابع الاتهام إلى ما يسمى “التنظيم الموازي”، كما كشفت التسريبات الأولية لعملية التحقيق معلومات مخيفة حول عمق تغلغله في مؤسسات الدولة المختلفة سيما المؤسسة العسكرية، بما قدم صورة له في الدوائر السياسية والإعلامية أشبه بالأسطورة.
والتنظيم الموازي أو الكيان الموازي هو المصطلح السياسي والإعلامي المستعمل في تركيا للإشارة إلى المجموعة القيادية المتنفذة في جماعة “الخدمة” التي يتزعمها فتح الله غولن المقيم في بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأميركية منذ 1999.
ولكي نعود الى عقود مضت فنقول ان هذا التنظيم تأسس عام 1962 في تركيا ، بعد سنتين من وفاة بديع الزمان سعيد النورسي البدليسي الكردي ، و بعد الإطاحة ب عدنان مندرس عقب وفاة النورسي بأقل من شهرين ، و بعد إعدام مندرس بسنة واحدة ..
لماذا في تركيا ؟.
استخبارات بريطانيا أوعزت ل CIA بان الإسلام في البلدان العربية لا خوف منه ، فهو مشوش بالوهابية والغلاة والمتصوفة و علماء السلاطين الذين تحت وصايتنا .
كما ان الإسلام في كل من شرق آسيا و في إفريقيا جنوب الصحراء غير مؤهلان لليقظة ، غير ان الإسلام في الأناضول مهيأ لقيادة المسلمين ، بدليل النورسي وفكره ، و قد مات ، فلا بد من تمييع فكره ، و بدليل مندرس الذي بعث الروح من جديد في الأناضول ، و قد أطحنا به و أعدمناه للعبرة لمن بعده ..
فوقع الاختيار على فتح الله كولن ، الشاب المتحمس المتصف بصفات فريدة ، بعلم وافر رغم أنه خريج مدرسة ابتدائية ، و بنبرة صوت فريدة ، و بخطابة مؤثرة ..
تم تهيئة الشاب كولن حتى عام 1967م عندما انضم رسميا للمحفل الماسوني في استانبول عن طريق قاسم كولك سكرتير عام حزب الشعب الجمهوري و قد نشرت صحيفة يني شفق تلك الوثائق ..
في عام 1971م وضع حجر الأساس للتنظيم الموازي كمنظمة مجتمع مدني تقوم على ما يلي :
1- مشيخة بقيادة كولن ، بعد تعيينه إماما و خطيبا في ازمير ، و ترويج القداسة حول شخصه .
2- اختيار موظفين للقيام بأعمال الخير و جمع التبرعات ، و آخرين للتدريس في مدارس الخدمة التي سيفتتحونها ﻹعداد كوادر التنظيم اللاحقة ، كلا النوعين من الموظفين يكونان من الطبقة المحافظة الفقيرة من الأناضول برواتب مغرية ، و زرع قداسة كولن في ذهنهم من أن فضيلة الشيخ اختاركم لثقته بكم .
3- اختيار صفوة ممن تم اختبارهم للقيام بأعمال التنظيم و إدارة أمواله الضخمة في البنوك والاستثمارات والصحافة و الإعلام .
بدأ العمل الفعلي بافتتاح اول مدرسة في استانبول عام 1984م باختيار طلاب و طالبات من الأناضول غالبيتهم من عائلات علوية معدمة بحجة زرع المذهب السني فيهم ليكونوا دعاة لبني قومهم ..
ثم الإنتقال إلى افتتاح مدارس و جمعيات خيرية حول العالم ، حتى انتشروا في 158 دولة و قاموا بنفس الأعمال التي يقومون بها في تركيا ..
بعدها ، خريجوا تلك المدارس تغلغلوا في مؤسسات الدولة التركية ، في الجيش و القضاء و الشرطة و الأمن و المال و الأعمال ، و في الأحزاب السياسية و في صفوف المنظمات الإرهابية ، في البلديات و في مؤسسات المجتمع المدني ..
و بعد انتقال كولن إلى الولايات المتحدة الأمريكية و استقراره في بنسلفانيا عام 1999م ، بحجج واهية ، بدأت المعلومات التي يحصلون عليها تتدفق إلى بنسلفانيا تحت إشراف CIA ، يتم تحليل تلك المعلومات لرسم سياسات و وضع خطط للجم العدالة والتنمية
قاموا بعدة محاولات للإطاحة بالعدالة و التنمية في 2007م ، في 2010م ، في 2013م 3 مرات ، في 2014م مرتين ، في 2015م مرتين .
و أخيرا في 15 تموز 2016م في الإنقلاب الفاشل المفضوح ..
نسبة احتمال فشله كانت صفر بحسب الخطة الموضوعة بدقة متناهية ، لكنها فشلت و صدمتهم ، فذهب جهد 60 سنة هباء منثورا ..
كيف فشل الإنقلاب ؟. نبحثه في مقال آخر ..
ما هي خططهم البديلة عن كولن ؟. نبحثه في مقال آخر ..
و أخيرا نقول ان التنظيم الموازي ، أعلاه خيانة ، أوسطه مال وأعمال ، وأدناه عبادة بسذاجة و غباء و جهل ..
الطبقة العليا يغلب عليهم الفجور ، و الطبقة الوسطى يغلب عليهم التحلي بأخلاق مصطنعة لخداع الناس ، و الطبقة الدنيا يغلب عليهم التدين لكن بقشور الدين دون فهم الدين فهما صحيحا ..إنه الإسلام الأمريكي العالمي الذي كان مرشحا كبديل لإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم ، لكن هيهات ، فالله لهم بالمرصاد.