أسدل الستار على أكبر حدث رياضي يحتضنه بلد عربي وسط حملة إعلامية معادية، خاصة في بعض دول أوروبا الغربية التي طعنت في أهلية البلد المضيف وشككت في قدرته على تنظيم هذه البطولة العالمية.
لكنها كشفت في الوقت نفسه جهل بعض وسائل الإعلام الغربية بثقافة المنطقة وقيمها الأخلاقية والحضارية، وأظهرت المستوى الذي يمكن أن تنزل إليه في إطلاق العنان لأحكامها المسبقة والنمطية عن كل ما هو عربي ومسلم.
من جانب آخر، سلطت حملة التشكيك والتشهير -التي قادتها وسائل إعلام غربية- الضوء على الإشكالات الثقافية بين الشرق والغرب، وفضحت ثقافة الاستعلاء لدى بعض الأطراف التي تريد تكريس الصورة السلبية عن العرب وفرض رؤيتها عليهم بدل اغتنام فرصة العرس الكروي الكبير لفتح آفاق الحوار بين الثقافات المختلفة وتقريب وجهات النظر بين الشعوب.
يذكر أنه منذ الأيام الأولى لانطلاق مباريات كأس العالم وحتى قبلها بكثير تعرضت قطر لشتى أصناف الدعاية والشحن الإعلامي، في محاولة يائسة للتشويش وتعكير الأجواء وفرض قيم أخلاقية غريبة عن ثوابت المنطقة.
ولم يسبق أن أثارت بطولة عالمية لكرة القدم جدلا مثلما أثارته هذه النسخة الأخيرة من كأس العالم، لكن عشاق كرة القدم الذين قدموا من كل حدب وصوب رأوا غير ما سمعوا في وسائل إعلامهم.
وانتهت بطولة كأس العالم مسجلة أرقاما جديدة على مستوى الحضور الجماهيري والمشاهدات والعائدات المالية، وإشادة دولية بحسن التنظيم بداية من حفل الافتتاح إلى الاختتام.
أما الزوار والمشجعون فعادوا محملين بذكريات ستبقى محفورة في أذهانهم بعد أن اطلعوا عن قرب على العادات والتقاليد العربية، وتعرفوا على الخصوصيات الثقافية للمنطقة التي حاولت بعض وسائل الإعلام وأفراد من الطبقة السياسية في الغرب -عن جهل أو أجندات خفية- طمسها أو تشويه معالمها الحقيقية.
مكاسب قطر
وعن مكاسب قطر من المونديال اعتبر مدير مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية نايف بن نهار -في حديثه لبرنامج “سيناريوهات” (2022/12/22)- أن قطر حققت مكسبا ثقافيا كبيرا، وهي أمام طريقين، إما أن يكون هذا المكسب الثقافي مجرد موقف عارض أو أن يكون نموذجا إستراتيجيا.
وشدد بن نهار على أن النجاح الحقيقي هو قدرة قطر على بناء نموذج قائم على خطاب فكري مركب يدرك أبعاد المسألة الثقافية ويمكنها من تغيير الوعي الثقافي الغربي تجاه الرموز الثقافية للبلاد.
وأيد هذا الطرح أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس حسن أوريد الذي شدد على أن أهم مكسب لقطر هو رؤية نقدية ذاتية من أجل بناء تصور ثقافي أو القيام بما سماها ثورة ثقافية تقتضي أولا معرفة “الآخر” للشروع في نهضة ثقافية عربية.
من جهته، ذهب أستاذ العلاقات السياسية الألمانية الشرق أوسطية جيريمياس كيتنر إلى أن مونديال قطر كان له تأثير جماعي، حيث وحد العالم العربي الذي وقف متماسكا في لحظة تعرض فيها للنقد من قبل وسائل الإعلام الغربية، مشيرا إلى أن الرياضة تراجعت كموضوع رئيسي وتشتت انتباه الفرق الرياضية في أمور جانبية قد تكون ساهمت في فشلها.