قبل دخول الشتاء.. النازحون يغرقون مع أول المنخفضات الجوية على غزة

وسط بركة من مياه الأمطار التي تجمعت في خيمتها وأتت على كل ما فيها، تحاول سيدة فلسطينية إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أمتعة أسرتها من أغطية وفراش ومواد تموينية، لكن الحالة التي أصبحت فيها الخيمة المتهالكة من البداية كانت أكبر من إمكانيات سيدة وأطفالها على النجاة والقدرة على المحافظة على مقتنياتها التي جمعتها بشق الأنفس، فسلمت بالأمر الواقع، ووقفت تشكو حالها وتندب حظها الغارق بالمآسي وسط الخيمة التي تحولت إلى بؤرة لتجمع المياه.

تقول السيدة كفاح النجار وهي أرملة استشهد زوجها بداية الحرب على غزة، وأم لستة أطفال لمراسل وكالة الأنباء القطرية “قنا”، إنها منذ ما قبل حلول فصل الشتاء وهي متخوفة من أن خيمتها المكونة من قطع البلاستيك والنايلون وبعض أعمدة الخشب وتقيمها على أنقاض منزلها المدمر في حي الزيتون شرقي مدينة غزة، لن تقيها مياه الأمطار، كما هو الحال في فصل الصيف أيضا، حيث لم تشكل لها حماية من لهيب الشمس وأشعتها الحارقة، لكن الحال في الشتاء أكثر مأساوية وصعوبة مع دخول المياه إلى الخيمة وتلف كل ما فيها بعد أن غمرت كل شيء.

وتوضح أنه منذ بدء هطول الأمطار في أول منخفض جوي يمر به قطاع غزة، تجمعت المياه على سطح الخيمة، وتسربت إلى داخلها، ولم يمض أقل من ساعة إلا وكانت الخيمة منهارة وغمرت المياه ملابسها وأطفالها، والأغطية والفرشات والمواد التموينية التي حصلت عليها من المساعدات، واختلطت محتويات الخيمة فوق بعضها.

ويعيش قطاع غزة تحت تأثير منخفض جوي حاد منذ يومين، حيث هطلت زخات كبيرة من الأمطار في شتى مدن القطاع، مصحوبة برياح شديدة وانخفاض في درجات الحرارة، ما تسبب بغرق مئات الخيام، وفاقم معاناة النازحين ومن يسكنون على أنقاض أو بين ركام منازلهم المدمرة بفعل الحرب الإسرائيلية التي قضت على كل مقومات الحياة، ودمرت قطاعات الخدمات الإنسانية في القطاع.

ووفقا لمتابعة ورصد مراسل وكالة الأنباء القطرية “قنا” في غزة، فإن مئات الخيام التي يقطنها آلاف الأسر تعرضت للغرق والتلف بسبب تجمع وهطول مياه الأمطار في مناطق متفرقة من مدينة غزة وتركزها في أحياء الزيتون والدرج ومخيم الشاطئ، ووسط القطاع في منطقة البركة والبصة بدير البلح ومخيم البريج، ومخيمات للنازحين مقامة في سوق النصيرات، فيما تركزت عمليات الغرق في منطقة المواصي بمدينة خانيونس جنوبي القطاع.

وحول ذلك، يقول محمود بصل المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة، إن طواقمه تتلقى نداءات استغاثة من الأسر النازحة في مخيمات ومراكز الإيواء المنتشرة في مناطق عديدة بقطاع غزة، بعد تضرر خيامهم وغمرها بمياه الأمطار التي تساقط بكثافة، دون مقدرة تلك الطواقم على فعل شيء لها أو القدرة على إنقاذها لعدم توفر المعدات اللازمة، وتلف وتهالك ما تبقى من الآليات والأدوات بفعل الاستهداف الإسرائيلي خلال الحرب.

ويوضح في حديثه لوكالة الأنباء القطرية “قنا” أن آلاف الأسر في قطاع غزة، تعاني ظروفا إنسانية صعبة جدا، وتحتاج أماكن إيواء عاجلة سواء خيام جديدة لاستبدال الخيام التالفة، أو بيوت مؤقتة (كرافانات) للمساعدة في الحد من معاناتهم وحمايتهم من المنخفضات الجوية مع دخول فصل الشتاء.

وفي السياق ذاته، يؤكد الدكتور إسماعيل الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن غزة تحتاج بشكل عاجل إلى مالا يقل عن 250 ألف خيمة، و100 ألف كرافان لتوفير المأوى المؤقت لحين الإعمار، خاصة في ظل دخول فصل الشتاء واهتراء الخيام وانهيار العديد من المنازل الآيلة للسقوط التي يضطر المواطنون للمكوث فيها هربا من غرق الخيام بمياه الأمطار أو اقتلاعها بسبب الرياح.

ويؤكد في حديثه لوكالة الأنباء القطرية “قنا”، أنه كان متوقعا بعد عامين كاملين من حرب الإبادة الجماعية والمعاناة الإنسانية التي تسبب بها الاحتلال، أن تنتهي مأساوية أوضاع المدنيين والأسر الفلسطينية مع وقف إطلاق النار ودخول المساعدات، لكن تعنت الاحتلال وعدم التزامه أبقى الوضع المأساوي على حاله، واستمرت المعاناة في ظل عدم سماح الاحتلال بدخول احتياجات المواطنين من المساعدات والغذاء والدواء ولوازم الإعمار ومستلزمات الإيواء كالخيام والكرافانات.

وفي سياق متصل أكد حسني مهنا، المتحدث باسم بلدية غزة، أن معاناة سكان القطاع بشكل عام، والنازحين والقاطنين بين ركام المنازل المدمرة بشكل خاص، تتفاقم بسبب المنخفض الجوي وهطول كميات كبيرة من مياه الأمطار وتجمعها بين المخيمات وفي الطرقات وعدم القدرة على تصريفها، في ظل أن ما يزيد عن 93 بالمئة من خيام النازحين أصبحت مهترئة ومتهالكة بشكل كامل مع طول فترة استخدامها، وتعاقب فصول الصيف والشتاء عليها.

ويوضح مهنا في حديث لوكالة الأنباء القطرية “قنا”، أن شبكات تصريف الأمطار مدمرة في القطاع بفعل تجريفها خلال العدوان الإسرائيلي على مدار عامين، ما يتسبب بطفح المياه العادمة واختلاطها بمياه الأمطار، واجتياحها مع النفايات لبقايا المنازل المدمرة المأهولة، ومراكز الإيواء وخيام النازحين.

وأشار إلى أن بلدية غزة لديها مخططات لمكافحة المنخفضات الجوية أو التخفيف من آثارها على المواطنين والنازحين، لكن كل هذه المخططات والتصورات تصطدم بعدم توفر الإمكانيات والمعدات في ظل تدمير كل مقومات البلديات في القطاع بشكل ممنهج ومتعمد من الاحتلال الإسرائيلي.

ولا تقتصر المعاناة والأضرار بفعل فصل الشتاء والمنخفضات الجوية على المواطنين والقاطنين في مخيمات النزوح والخيام، بل تمتد لقطاعات خدماتية وإنسانية تقدم الخدمات للمواطنين والمرضى والمصابين، أكثرها تأثرا المستشفيات الميدانية التي تمت إقامتها في أماكن مفتوحة للتعويض عن التدمير الذي لحق بمباني ومقرات المستشفيات الرئيسية في القطاع.

من جانبه، أكد الدكتور بسام زقوت، مدير الإغاثة الطبية في غزة أن الكثير من النقاط الطبية والمراكز الصحية والاجتماعية هي عبارة عن خيام لا تمتلك بنية تحتية وانهارت بفعل الأحوال الجوية التي تعصف بقطاع غزة، ما يعني التوقف عن تقديم الخدمات للمواطنين.

وأوضح زقوت في حديث لوكالة الأنباء القطرية “قنا”، أن المستشفيات الميدانية والعيادات المتنقلة والمؤقتة التي تمت إقامتها من الجهات والمؤسسات الصحية، ليست محصنة ولا مؤهلة لمواجهة المنخفضات الجوية وتراكم مستنقعات وتجمعات مياه الأمطار حولها، وهو ما عرضها للتعطل وبعضها للتلف، وعدم قدرتها على مواصلة خدماتها الطبية بشكل مستمر.

وكانت وكالة أونروا، قالت إن الأمطار تزيد صعوبة الأوضاع في قطاع غزة، والعائلات تلجأ إلى أي مكان متاح، بما في ذلك الخيام المؤقتة، وأن الحاجة ماسة إلى إمدادات المأوى في غزة، وهي متوفرة لديها، داعية إلى السماح لها بتقديمها للسكان.
وحذرت في بيان صحفي من أن المنخفض الجوي الذي يتعرض له قطاع غزة حاليا سيكون له تداعيات كارثية على النازحين في القطاع، موضحة أن هناك تحركات دولية لمحاولة الضغط على الاحتلال وإجباره على السماح بدخول المساعدات إلى القطاع.
ورغم انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة بعد عامين، والذي أدى وفقا لتقارير رسمية وأممية لتدمير نحو 92 بالمئة من المباني السكنية كليا أو جزئيا، إلا أن الاحتلال يرفض إدخال مواد الإيواء الأولى كالخيام والمنازل المؤقتة وفقا للبروتوكول الإنساني الملحق لاتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما دفع النازحين والمهدمة بيوتهم إلى السكن في خيام متهالكة لا تتوفر فيها أدنى مقومات الحماية، أو الاحتماء في منازل آيلة للسقوط ومتضررة بشكل جزئي رغم ما يشكله ذلك من مخاطر على حياتهم بفعل انهيارها بسبب مياه الأمطار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى