شاركت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، في جلسة نقاشية خاصة بعنوان قصص من مؤسسة قطر لم تُحكَ بعد، بمناسبة مرور 25 عاما على تأسيس مؤسسة قطر، وتم بثها على شاشة تلفزيون قطر مساء اليوم.
وخلال هذه الجلسة، سلطت صاحبة السمو الضوء على الدوافع الشخصية والوطنية التي ألهمتها إنشاء مؤسسة قطر منذ أكثر من 25 عاما، وما تخلل رحلة التأسيس من تحديات، انطلاقا من وضع ركائز التعليم ما قبل الجامعي لحظة إنشاء أكاديمية قطر وتحقيق التوازن بين الأصالة والحداثة، مرورا بالمفاوضات مع الجامعات الدولية الشريكة التي شكلت تحديا صعبا للغاية، وصولا إلى بناء ثقافة البحث العلمي والابتكار، وذلك من أجل دعم مسيرة الدولة لبناء مستقبل مستدام.
وشارك سموها الحديث عدد من أصحاب السعادة والشخصيات الذين لعبوا دورا رئيسيا في تحويل رؤية مؤسسة قطر إلى واقع، وهم: سعادة السيد يوسف حسين كمال، وسعادة الدكتور إبراهيم الإبراهيم، وسعادة الدكتورة شيخة المسند، والدكتور سيف الحجري، والمهندس عبدالرضا عبدالرحمن.
وقالت صاحبة السمو “على الرغم من التحديات والانعطافات التي واجهتنا في بداية رحلتنا منذ ربع قرن، إلا أن إيماننا بنجاح مشروع مؤسسة قطر كان راسخا. ففي يوم افتتاح المدينة التعليمية عام 2005 أطلقنا وعدا بأن الغد سيكون هنا. وبالفعل، الغد صنع في مؤسسة قطر”.
وأضافت سموها “لم ننظر يوما إلى مشاريع المؤسسة ومراكزها ومبادراتها على أنها ستخدم نطاقا جغرافيا محددا. لقد فكرنا في مؤسسة قطر على أنها مشروع نهضوي تنموي عربي إسلامي على أرض قطر لتعزيز التنمية المستدامة في العالم العربي، من خلال إحداثنا التغيير الإيجابي المنشود في الجوانب الأكاديمية والبحثية والمجتمعية”.
وبالحديث عن البدايات وإنشاء أكاديمية قطر، قالت سموها “إن لحظة التفكير بمشروع إنشاء الأكاديمية كان له بعدان الأول شخصي وينطلق من دوري كأم معنية بتعليم أبنائي وتربيتهم، والبعد الثاني وطني يتمثل بدورنا في تنمية المجتمع. لقد أدركت في تلك المرحلة أننا نواجه تحديا وطنيا في قضية التعليم، وأنه لا بد من إحداث تغيير جذري في المنظومة التعليمية، وأننا بحاجة إلى توفير تعليم متقدم ذي جودة، مبني على التحليل المنطقي والاستنباط العقلي الذي عرفته الحضارات العربية السابقة وتطبقه الحضارات الغربية، وفي الوقت نفسه الحفاظ على تراثنا ولغتنا وهويتنا الوطنية”.
وأردفت سموها “نما مشروع أكاديمية قطر وتطور، وكان لا بد من مواصلة مسيرة التقدم والتنمية من خلال بناء مقومات التعليم الجامعي المرموق، وبناء ثقافة البحث العلمي، في سبيل تنمية المجتمع”.
وعن اتساع الرؤية من مشروع التعليم الأساسي، وتبدل المخطط من إنشاء جامعة واحدة إلى استقطاب الجامعات الدولية بحسب التخصصات التي تلبي الاحتياجات الوطنية، قالت صاحبة السمو “لقد تساءلنا عن مدى فاعلية تكرار التجارب التي لم تثبت نجاحها في العديد من المجتمعات. لذا قررنا البدء من حيث انتهى الآخرون وعقدنا العزم على استقطاب الجامعات الدولية المرموقة وفق التخصصات التي تلبي الاحتياجات الوطنية، وتوفير منظومة تعليمية وبحثية تقوم على الإبداع والابتكار، ما يمكننا من اكتساب المعرفة، وتوطينها، وإعادة إنتاجها”.
وأضافت صاحبة السمو “من التحديات التي واجهناها أثناء التفاوض مع الجامعات الدولية المرموقة هي تساؤلاتهم عن المستوى الأكاديمي لطلابنا، لكن إيماننا بقدرات الإنسان في قطر والمنطقة العربية لم يتزعزع، وكنا مدركين أنه إذا أتيحت لهؤلاء الشباب البيئة التعليمية المناسبة والفرص اللازمة سيشهد العالم لإنجازاتهم، وهذا ما تحقق اليوم”.
وعن تحديات استقطاب الجامعات الدولية المرموقة وبناء ثقافة البحث العلمي، ووضع الركائز للبنية التحتية البحثية، وتمكين الباحثين المحليين، وجعل قطر وجهة للباحثين والعلماء، قالت صاحبة السمو إن “مسألة بناء ثقافة البحث العلمي شكلت تحديا حقيقيا. لكننا نؤمن أن الابتكار هو أساس فلسفة مؤسسة قطر”، وأضافت سموها “أردنا أن تكون هذه المؤسسة حاضنة للعلماء والباحثين والمبتكرين والمخترعين العرب وغيرهم من كافة أنحاء العالم، لأننا ندرك أن البحوث العلمية مستمرة طالما استمرت حياة الإنسان”.
وعن شعار مؤسسة قطر والقيمة التي ترمز إليها شجرة السدرة، كمحطة لاستعادة الذكريات حول كيفية اختيار هذا الشعار خلال هذه الجلسة النقاشية، التي اصطحبت المشاهدين في رحلة عبر الزمن، قالت صاحبة السمو “هناك علاقة وثيقة بين شجرة السدرة وكل بيت قطري وألفة بين الإنسان القطري والسدرة، هذه الشجرة التي تملك قدرة هائلة على التحمل، وصبرا جميلا، وتظلل بأوراقها على الجميع.. ارتأينا أن تأخذ المؤسسة هذا الشعار وهذا الاتجاه، لتظلل مؤسسة قطر على أبنائها وبناتها في قطر، وأن تتحلى بالصبر، لأننا كنا مدركين حجم التحديات التي ستعترض طريقنا. نحن على ثقة أن السدرة ستبقى خضراء لأنها قادرة على تجاوز كل التحديات”.
بدورهم، استعاد المتحدثون في هذه الجلسة رحلة تأسيس المؤسسة منذ أكثر من 25 عاما، تحقيقا لرؤية صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وصاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، بشأن مستقبل دولة قطر، وما حملته هذه الرحلة من أفكار وأهداف ولحظات حاسمة أدت إلى إنشاء نموذج مؤسسة قطر الفريد من نوعه في العالم عام 1995، والذي يرتكز على التعليم والبحوث وتنمية المجتمع.
من جهته، سلط سعادة السيد يوسف حسين كمال، الضوء على التعليم كركيزة أساسية من ركائز التنمية الاقتصادية، قائلا “اعتمدت النماذج الاقتصادية الناجحة في العديد من الدول المتقدمة التي لا تملك موارد طبيعية مثل كوريا، واليابان، وسنغافورة، على الاستثمار في العقول”.
وأضاف سعادته “إن تخرج المهندسين والأطباء والدبلوماسيين وغيرهم من أصحاب التخصص في جامعات المدينة التعليمية هو بحد ذاته فكرة استثمار ناجح لدعم أهداف التنمية الاقتصادية آنذاك، حيث كان الاعتماد على الابتعاث إلى الخارج من أجل تحصيل المعرفة بينما المطلوب إنتاجها”.
أما سعادة الدكتور إبراهيم الإبراهيم فقال “لم يكن النموذج التعليمي الذي نتطلع إليه في تلك الفترة الزمنية موجودا في أي مكان بالعالم، وهذا ما زاد من التحديات والصعوبات أمامنا، حيث كان هدفنا استقطاب أبرز الجامعات في العالم من حيث التخصصات التي نحتاجها ومن بينها تلك المرتبطة بالنفط والغاز بهدف دفع عجلة التنمية في البلاد، وهذا لم يكن سهلا على الإطلاق”.
وتابع سعادته “لكننا عملنا على تحديد مكامن القوة والضعف خلال التفاوض مع الجامعات الدولية وفق منظورنا واحتياجاتنا، وتمكنا من تحقيق ما نصبو إليه”.
من جهتها، سلطت سعادة الدكتورة شيخة المسند، الضوء على الدافع الوطني الذي حفز فريق العمل على بذل جهود حثيثة لتحويل الرؤية إلى واقع، وقالت سعادتها “كان مشروع مؤسسة قطر جديدا بالنسبة إلينا، وبالنسبة إلى العالم أيضا بكل ما يحمله من تطلعات. فقد حملت بدايات هذا المشروع مشاعر القلق والتفكير بكل الاحتمالات، وهو الشعور الطبيعي عند بداية مشروع بهذا المستوى محليا وإقليميا ودوليا. إلا أن عزم قيادة مؤسسة قطر على تحقيق رؤية المؤسسة، شكل لنا دافعا وطنيا، بحيث أصبحت رؤية قيادة المؤسسة رؤيتنا التي تبنيناها كقطريين وعملنا على تنفيذها من أجل دعم النهضة في دولة قطر”.
وأثناء مشاركته في هذه الجلسة، قال الدكتور سيف الحجري “بني مشروع مؤسسة قطر منذ بداياته على ركائز راسخة تنطلق من الهوية الوطنية، وخصوصية المجتمع القطري، ودعم طموح أبنائنا وتطلعات أسرهم، وتحقيق التوازن بين الانفتاح المدروس القائم على التجارب العالمية الناجحة والمتميزة، والحفاظ على تراثنا وقيمنا.. لقد كان الهدف من بناء هذا المشروع هو إنتاج المعرفة وتطويرها وتصديرها إلى المنطقة، بما يساعد على تحقيق التنمية المستدامة في دولة قطر في مختلف مجالاتها”.
وعبر رسالة خاصة في فيديو عرضت خلال الجلسة النقاشية، قال الدكتور فتحي سعود، الرئيس التنفيذي السابق لمؤسسة قطر “كنا نهدف منذ بداية إنشاء مشروع مؤسسة قطر إلى تطوير منظومة متكاملة للتعليم والبحث العلمي والابتكار والاستجابة لمتطلبات تنمية المجتمع، وأبرزها التعامل مع عصر جديد في عالم معتمد على المعرفة”.
وأضاف الدكتور فتحي “لقد حاولنا كفريق دون كلل أو ملل أن نطرق كل الأبواب خلال مفاوضاتنا مع الجامعات الدولية المرموقة لبناء التعاون والشراكات معها، ونجحنا في ذلك، حتى وصلنا إلى اليوم الذي أصبحت فيه أبواب مؤسسة قطر تطرق من جامعات عالمية مرموقة ومعروفة لإنشاء شراكات مع قطر”.
وعن أهمية البحوث والتطوير والابتكار كركيزة قامت عليها مؤسسة قطر منذ نحو ربع قرن، وكيفية إنشاء فكرة واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا، أوضح المهندس عبدالرضا عبدالرحمن “أن فكرة بناء واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا، جاءت من اسم مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع نفسه، حيث تتطلب استدامة التعليم وجود بحوث علمية تكنولوجية تدعم التخصصات التي كانت دولة قطر بحاجة إليها للعمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة”.
وختم المهندس عبدالرضا عبدالرحمن، مشاركته في الجلسة النقاشية التي أدارتها الإعلامية خديجة بن قنة، بالقول “في الوقت نفسه تتطلب تنمية المجتمع بناء ثقافة البحث العلمي، ونشر حس الابتكار والإبداع. لذا، تعتبر منظومة قطاع البحوث والتطوير والابتكار الضلع الثالث الذي لا يتجزأ من مثلث مؤسسة قطر”.