تواصل سلطنة عمان توهجها الإبداعي وعرسها الثقافي المتمثل في فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته السادسة والعشرين، وما يشمله ذلك من إقبال وحضور كبيرين من كل فئات المجتمع المتعطش للمعرفة، إلى جانب الزخم الكبير في الفعاليات المصاحبة، والتي تزيد المعرض ألقًا وتميزًا. ووسط تلك الأجواء الاستثنائية كانت “الشرق” على موعد مع سعادة السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب لشؤون الثقافة، ودار حديث حول إستراتيجية الوزارة وأولوياتها في المرحلة المقبلة إلى جانب الحديث عن التحضيرات التي سبقت معرض الكتاب في دورته الحالية بعد توقف بسبب الجائحة التي عصفت بالعالم، وعرج الحديث على فكرة الاحتفاء بضيف شرف محلي بخلاف ما هو سائد في معارض الكتاب الأخرى، إضافة إلى آليات الوزارة في مواكبة العصر المعرفي الجديد، وسبل التفاعل مع الجيل الجديد، والذي تتطلع إليه وزارة الثقافة في مقبل الأيام.
* بداية لدينا تساؤل حول الإستراتيجية العامة لوزارة الثقافة؟
** بالنسبة لقطاع الثقافة في وزارة الثقافة والرياضة والشباب، لدينا إستراتيجية معدة مسبقًا، تم وضعها لتمتد من عام 2021 إلى عام 2040 وتطمح الرؤية العامة للإستراتيجية إلى أن تكون سلطنة عمان مركزًا للثقافة، وواحدة من المحطات التي يقصدها القاصي والداني، لينهل من ثرائها وما تتميز به من خصوصية وأصالة.
* وما الأولويات التي تركز عليها إستراتيجية 2040؟
** حقيقة نحن نركز على العديد من الأولويات، وفي مقدمتها التراث الثقافي والهوية الوطنية والسعي لتعزيزها والدفع بها نحو آفاق أرحب، إضافة إلى عدة برامج ومحاور في سبيل تنفيذ تلك الإستراتيجية، منها ما يخص البنية الأساسية في قطاع الثقافة والمسرح والأمور الخاصة بالتنمية الثقافية والمعرفية، إلى جانب ثقافة الطفل، وكل ما يندرج في الإطار الثقافي، والحمد لله البرامج والخطط واعدة، وتنبئ بأن الإستراتيجية في طريقها السليم، وأنها ستتحقق قبل موعدها المحدد، وتم الحرص على أن تكون الإستراتيجية مرنة، بما يتيح إعادة دراستها وتقييمها، وإعادة تحديد أولوياتها وأهدافها.
عيد ثالث
* ما طبيعة الشراكة بين وزارتي الثقافة والإعلام في تنظيم معرض الكتاب؟
** طبعًا وزارة الثقافة هي من تدير المعرض بكل ما يشمله من أنشطة وفعاليات، ووزارة الإعلام تترأس اللجنة الرئيسية وتقوم بوضع التوجيهات العامة فيما يخص أعمال معرض الكتاب، لكن إدارة المعرض الفعلية بتفاصيلها اليومية هي من مهام وزارة الثقافة والرياضة والشباب.ADVERTISING
*بعد انقطاع عام بسبب الجائحة، كيف تم التحضير لدورة هذا العام؟
** الصورة التي تم التحضير بها للدورة الحالية كانت نوعًا ما سريعة، لا سيما ما أحدثته تداعيات الجائحة، والتذبذب في تصاعد وتيرتها وانحسارها، جعلنا في وضع محير سيطر عليه التردد في إقامة المعرض من عدمه، لكن تم اتخاذ القرار بإقامة المعرض، خاصة أن الجمهور العماني متعطش للثقافة، وشعب السلطنة معروف بشغفه للكتاب، وحبه للمعرض بدرجة كبيرة جدًا، وهذا هو السبب الحقيقي وراء اهتمام الناشرين، وحرصهم على التواجد في معرض مسقط. وكنت بالأمس في لقاء مع بعض الزملاء من مديري المعارض فقلت لهم: أصبح لدينا في سلطنة عمان عيد ثالث، فمعرض مسقط الدولي للكتاب يعد عيدا ثقافيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ونستطيع أن نقول إن الناس تحج إلى هذا المكان بشكل سنوي، خصوصًا من الناشرين ومن المهتمين والمتابعين، ليس من السلطنة فقط وإنما من دول الخليج، ومن الملاحظ الحضور الخليجي الكبير على مستوى الجمهور وليس فقط الجهات الرسمية والناشرين.
ثقافات متنوعة
* من الواضح الزخم في الفعاليات الموجهة للطفل، كيف تم الإعداد لذلك في ظل المخاوف الصحية؟
** من أهداف المعرض التعامل مع مختلف الفئات، وللأمانة كان هناك تحفظ في البداية حول تخصيص فعاليات موجهة للأطفال بسبب تداعيات الجائحة، لكن نظرًا لأهمية تلك الشريحة تم تخصيص 85 فعالية للأطفال والناشئة، مع الأخذ في الاعتبار الإجراءات الاحترازية، ومراعاة الأساليب الوقائية، حرصا على سلامة الأطفال ومرتادي المعرض.
* كيف بدأت فكرة الاحتفاء بالمحافظات وتحديد إحداها كضيف شرف في كل دورة؟
** بدأت الفكرة حين كانت ولاية نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية في عام 2015 وأصبحت تقليدًا في استضافة محافظات السلطنة المختلفة، وهي فرصة للتعريف بما تزخر به السلطنة من ثقافات متنوعة وتقاليد مختلفة، وإن كانت تصب في مزيج وطني واحد. مما يمنح تلك المحافظات المساحة لتقديم ما يميز كل محافظة، وما يعبر عن خصوصيتها الثقافية، ولكي يعي المجتمع تلك الخصوصيات والتباينات المنبثقة من التنوع الثقافي الذي تتميز به السلطنة.
*وهل هناك نية لاستضافة دول أخرى كضيف شرف في الدورات القادمة؟
** هناك فكرة مطروحة بالفعل للبدء في الاستضافات الدولية في الفترة القادمة إن شاء الله، ولا أخفيكم سرًا أن أوضاع الجائحة والتردد في إقامة الدورة الحالية لم تمكنا من تنفيذ ذلك هذا العام. وبإذن الله في قادم الدورات سيتم الاحتفاء بضيف خارجي مع الإبقاء على تقليد ضيف الشرف الداخلي.
مواكبة العصر
* وكيف تواكبون العصر التقني، وتطلعات الجيل الجديد في وزارة الثقافة؟
** طبعا نحن نعي هذا التحدي، ونعي أن العالم يقف في ذات الموقف، فالتعامل مع متغيرات التكنولوجيا أصبح سريعًا جدًا، ومن المهم مواكبة ذلك، والمؤسسات تعمل على إعادة تهيئة نفسها للتعامل مع تلك المتغيرات المتلاحقة، باستخدام التقنيات الحديثة، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وتحويل المادة المقروءة إلى مادة رقمية يمكن الوصول إليها من خلال المواقع، والوزارة أنشأت مكتبة للمخطوطات باسم “دار المخطوطات” تتوافر من خلالها الإصدارات العمانية المختلفة، ويتم تسويقها. وكنا بالأمس نتحدث عن أهمية رفد الشبكة العنكبوتية بمفردات كثيرة من الثقافة العربية، لأننا لاحظنا ضآلة في وجود المادة الثقافية العربية، وبالتالي يجب التحول بصورة كبيرة بحيث يستطيع المتلقي الوصول للمادة المطلوبة، ويجدها بسهولة، فالجيل الحالي يتعامل مع الجهاز اللوحي بشكل كبير، ونحن نطمح إلى أن نصل إليه قبل أن يبحث هو عنا.
* من الملاحظ أن المسرح العماني يمر بالعديد من فترات الصعود والهبوط، فما الأسباب وراء عدم استمرار التوهج في الحركة المسرحية العمانية؟
** هذا ديدن كل المجالات المختلفة التي تمر بمراحل للصعود والتميز ومراحل أخرى يقل فيها ذلك الزخم، ووجهة نظر وزارة الثقافة من خلال رؤيتنا لما يحصل للفرق المسرحية العمانية، نعتقد أنها في صعود، وعملها متطور، ولم تصل إلى حالة الركود، باستثناء العامين الماضيين، التي كانت حالة ركود عالمية، والفرق المسرحية العمانية ما زالت تواصل تميزها، وتحصد العديد من الجوائز، من خلال مشاركاتها الخارجية. هناك مخططات نحو تخصيص دعم أكبر للمسرح العماني في سبيل تطويره أكثر.
الصناعة الإبداعية
* ما تطلعاتكم المستقبلية وما سبل تحقيق ما تصبون إليه؟
** نتطلع لكل شيء جميل، ونتطلع إلى التواجد بشكل عملي من ناحية تمكين المبدع في مجالات الفكر والثقافة والصناعة الإبداعية، وأن نسانده بقوة ليصل بعطائه إلى آفاق متقدمة، ويحقق طموحاته بالصورة التي يرضاها، وترضينا جميعًا.
* وهل لديكم خطط للتعاون مع وزارة الثقافة في دولة قطر؟
**التعاون حاضر وموجود على الدوام بين سلطنة عمان ودولة قطر، وكذلك مع باقي دول الخليج، فنحن نتواجد في كثير من الفعاليات، ونحرص على دعوة الأشقاء للحضور إلينا أيضًا، وعلى سبيل المثال نحرص على المشاركة السنوية في مهرجان المحامل التقليدية الذي يقام في الحي الثقافي كتارا، وكذلك نهتم بالمشاركة في الفعاليات التشكيلية، وجائزة شاعر الرسول، وحققنا المركز الأول في الدورة الماضية، عن طريق الشاعرة بدرية البدري. ونحن بصورة عامة لم ننقطع عن التعاون الثقافي والمشاركة مع دولة قطر، ومستمرون إن شاء الله فيما فيه الخير والتقدم للثقافة في كل من السلطنة وقطر.
ومن المعروف أن بيننا مذكرات تفاهم وهناك الكثير من الأفكار المطروحة التي تصب في دعم وتطوير التعاون والتبادل الثقافي، وسوف تجد طريقها للتنفيذ في القريب العاجل بإذن الله.