تضطر دول الخليج المجاورة لاكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم الى استيراد الغاز بالسفن من موردين بعيدين وهو ما قد يستمر لسنوات بعد أن حالت خصومات سياسية وخلافات بشأن السعر دون المضي في خطط لتوزيع الغاز عبر خط أنابيب. وأصبحت قطر من أغنى دول العالم عن طريق بيع الغاز من حقل الشمال البحري العملاق الى أوروبا واسيا والامريكتين. وقبل فترة طويلة من انفاق مليارت الدولارات على بناء أكبر مجمعات للغاز الطبيعي المسال في العالم لتصدير الوقود بدأت قطر التباحث مع شركائها الخمسة في مجلس التعاون الخليجي – البحرين والكويت وسلطنة عمان والسعودية والامارات العربية المتحدة – بشأن فكرة انشاء شبكة لتقاسم الغاز بغية دفع النمو في المنطقة. لكن بعد عشر سنوات من ذلك فان ما تم تشييده بالفعل لا يعدو خطا واحدا غير مستغل بالكامل. وتعاقدت قطر على بيع كل انتاجها من الغاز تقريبا الى دول غير خليجية وذلك لحين رفع تعليق ذاتي فرضته على مشاريع التصدير الجديدة.
وقال مصدر رفيع بصناعة الغاز القطرية لرويترز “كان الاعتقاد السائد في الخليج في النصف الاول من العقد المنصرم هو عدم وجود نقص في الغاز وعندما أدرك عدد من الدول أنه يعاني نقصا كانت قطر قد أعلنت تجميد النشاط الجديد وتعاقدت على بيع انتاجها من الغاز.” وقال المصدر الذي رفض نشر اسمه “حتى منتصف العقد الاخير كان الناس يتوقعون الحصول على الغاز بأسعار منخفضة جدا. “يدرك الناس الان أنهم اذا كانوا سيتداولون الغاز عبر (الخليج) فانه لن يكون بأسعار منخفضة … بالنسبة لقطر المسألة ليست مسألة سعر .. لحين رفع التعليق فانه لا يوجد أي غاز يمكن تصديره.” ولعقود ظلت دول الخليج تنظر الى الغاز الطبيعي كمنتج ثانوي لانتاجها النفطي فكانت تحرق جانبا كبيرا منه أو تبيعه بأسعار رخيصة الى الصناعات المحلية. لكن الغاز أصبح سلعة مطلوبة بشدة في المنطقة على مدى العشر سنوات الاخيرة حيث رفعت طفرة سكانية الطلب على الكهرباء ومع تطور صناعات مثل البتروكيماويات والالومنيوم. ومازالت السعودية تحرق كميات كبيرة من احتياطياتها النفطية في محطات الكهرباء لكن جاراتها الاقل ثروة تريد استخدام مزيد من الغاز لتجنب مزيدا من النفط للتصدير. ونتيجة لهذا تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يسهم الشرق الاوسط بخمس نمو الطلب العالمي على الغاز بين 2011 و2016. وكان يمكن لتقاسم احتياطيات الغاز القطرية الضخمة أن يتيح لمجلس التعاون الخليجي حلا ناجعا لمشاكل المعروض وأن يساعد في تحقيق التكامل بين اقتصادات الدول الاعضاء وهو أحد أهداف المجلس.
لكن العوامل السياسية تدخلت. وبحسب برقيات دبلوماسية من السفارة الامريكية في المنامة بتاريخ 16 فبراير شباط 2005 سربها موقع ويكيليكس فان ملك البحرين شكا الى السفير الامريكي من أن السعودية تعرقل مشروعا مقترحا لمد خط أنابيب من قطر الى الكويت عبر البحرين.
وطلبت المنامة من واشنطن أن تضغط على الرياض للسماح للكويت والبحرين بمد خط أنابيب من حقل الشمال. لكن المشروع أجهض مما اضطر الكويت الى البحث عن موردين عالميين لشحن الغاز الطبيعي المسال الى الخليج ومن مناطق بعيدة مثل أستراليا. وفي غضون ذلك تجري البحرين محادثات مع شركة الغاز الروسية العملاقة جازبروم لامداد الجزيرة الصغيرة التي لا تبعد سوى 100 كيلومتر عن حقل الشمال بالغاز الطبيعي المسال من أنحاء العالم. وفي واحدة من أبرز عجائب التجارة العالمية وصلت شحنات غاز طبيعي مسال قطرية الى شمال غرب أوروبا ثم جرت اعادة تحميلها وشحنها الى الخليج لتقطع أكثر من 26 ألف كيلومتر لان الاسعار المعروضة في الخليج كانت أعلى في ذلك الوقت. وقال روبن ميلز من منار لاستشارات الطاقة التي مقرها في دبي “للاعتبارات السياسية دور كبير.”
ويرى محللون أن السعودية التي قررت بالفعل التنقيب عن الغاز تحت رمال الربع الخالي بدلا من الاعتماد على قطر قد منعت على الارجح مد خط الانابيب الخليجي بامتداد ساحلها الشرقي لانه كان سيمنح الدوحة نفوذا كبيرا داخل مجلس التعاون الخليجي. وقال جوناثان سترن مدير أبحاث الغاز في معهد أكسفورد للطاقة “لا يريدون زيادة النفوذ الاقتصادي والسياسي لقطر في المنطقة الامر الذي يمكن أن يكون على حسابهم. “السبب في أنهم لا يستوردون الغاز القطري .. وهي فكرة منطقية جدا بالنسبة لهم .. يرجع جزئيا الى أنهم لا يريدون منح القطريين أي نفوذ عليهم.”
وبحسب برقيات السفارة الامريكية التي نشرها ويكيليكس فان البحرين والكويت بدأتا في وقت ما مفاوضات مع ايران على أمل أن تنظر السعودية الى خط الانابيب القطري المقترح كتهديد أقل خطورة من اتفاق توريد مع طهران التي تعتبر أكبر منافس للرياض داخل منظمة أوبك. لكن الخطوة فشلت. فقد تباطأ نمو الانتاج بسبب حاجة ايران نفسها الى احتياطياتها بما فيها حصتها في حقل الشمال الذي تسميه طهران بارس الجنوبي اضافة الى العقوبات الدولية على ايران مما يحد من طاقتها التصديرية. وقال وزير الطاقة البحريني عبد الحسين بن علي ميرزا في تصريحات لرويترز ان المحادثات مع ايران انهارت بسبب “الاحداث الاخيرة” في المنطقة.
وحتى بدون خط أنابيب فان بمقدور دول الخليج استيراد الغاز الطبيعي المسال القطري بالسفن. لكن باستثناء الامارات فقد أخفقت الدول بوجه عام في الاتفاق على الشروط مما أثار بعض مشاعر الاستياء في المنطقة. وأبلغ عادل أحمد البوعينين المدير العام لشركة دولفين للطاقة في قطر لرويترز “تسمح طاقة خط الانابيب بضخ المزيد لكن لا ننوي اجراء أي زيادة” في المعروض مضيفا أنه “حالما يتوافر لنا مزيد من الغاز فسيكون من دواعي سرورنا أن نقوم بذلك … هناك طلبات كثيرة في الامارات …
لكن لا نستطيع أن نقدم أكثر مما لدينا.” وجمدت قطر أعمال التطوير في حقل الشمال للمحافظة عليه للاجيال القادمة وتخوفا من أن الافراط في استغلال الحقل قد يتسبب في أضرار للمدى الطويل. ولا يتوقع خبراء الصناعة رفع التجميد قبل 2014 أو 2015 على أقرب تقدير. لذا وللمستقبل المنظور فانه سيتعين على دول الخليج العطشى للغاز أن تكتفي بامدادات الغاز المحدودة من دولفين مع شحنات الغاز الطبيعي المسال من مصادر نائية. وقد تعمد أيضا الى شراء الكهرباء التي قد تعرضها قطر من طاقتها المتنامية من محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز. وبفضل طفرة الغاز الصخري الامريكي والنمو الاقتصادي الضعيف في أوروبا فان سوق الغاز الطبيعي المسال تتلقى امدادات أفضل بكثير عما كانت عليه قبل الازمة المالية لعام 2008.
لكن مصدري الغاز القطريين وجدوا مشترين أكثر تلهفا خارج الخليج بعد أن تسببت كارثة أمواج المد البحري العاتية التي ضربت اليابان في مارس اذار 2011 في اغلاق محطات نووية هناك مما رفع الاسعار التي يدفعها المستهلكون الخليجيون. ومع زيادة اعتمادها على شحنات الغاز الطبيعي المسال تتنافس دول الخليج مع المشترين في اسيا مستعدين حاليا لدفع نحو 15 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. لكن الحكومات الخليجية تثبت عادة أسعار الغاز للمصانع عند مستوى أقل بكثير من خمسة دولارات لكل مليون وحدة حرارية مما يضطرها الى تحمل خسائر كبيرة.