يطرح صراع وحرب العسكر على السلطة اليوم بين المكونين العسكريين في السودان، وقبل هذا الانقلابات العديدة التي وقعت في السودان، وسيطرة الجيش على الحكم لمعظم فترة استقلال السودان منذ عام 1956؛ أسئلة مشروعة عن تأثير انقلابات العسكر على أمن واستقرار الدولة.
في الدول العربية، خاصة منذ خمسينيات القرن الماضي، قام العسكر بانقلاباتهم في مصر والعراق وسوريا والسودان، ولاحقاً في ليبيا واليمن وموريتانيا. وشهدت دول انقلابات زعامات على النظام، لتعديل الدستور وتحويل الجمهوريات إلى جمهوريات وراثية، للتمكين لبقائهم في الحكم أو لتوريث الأبناء؛ كما فعل السادات وحاول بعده حسني مبارك في مصر، وكما فعل صدام حسين في العراق، وعلي عبدالله صالح في اليمن. أو محاولات تعديل الدستور لتمديد فترات البقاء في السلطة كما فعل السادات في مصر، والأسد في سوريا، وعبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، وزين العابدين بن علي في تونس.. وتلك التجاوزات كانت من أسباب تفجر انتفاضات الربيع العربي قبل أكثر من عقد.
شكلت الحرب الدموية المستعرة في السودان حرب إلغاء، بين رئيس مجلس السيادة- قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان، وبين نائبه -قائد قوات التدخل السريع الفريق محمد حمدان حميدتي؛ والبرهان وحميدتي هما شريكا الماضي في الانقلاب على الرئيس المخلوع عمر البشير عام 2019، وعلى المكون المدني في انقلاب العسكر الثاني عام 2021. وقد قامت الحرب بين الرجلين نتيجة رفض حميدتي دمج قوات التدخل السريع في المؤسسة العسكرية والجيش. وحرب الإلغاء هذه تدفع السودان إلى حافة الانهيار، والوصول إلى الدولة الفاشلة، مع انسداد أفق نجاح أي وساطة تنهي الصراع في معادلة صفرية، لن يخرج منها أي منتصر!.
آخر المنقلبين الجنرال عبدالفتاح البرهان ومحمد حميدتي قائد جماعة الجنجويد السابق، وقائد مليشيات قوات التدخل السريع في السودان، التي تأُسست عام 2013 تحت إشراف الرئيس المخلوع عمر البشير، بعديد 100 ألف مقاتل. وارتكبت جرائم حرب ضد قبائل أفريقية في إقليم دارفور غرب السودان، وهذا دفع محكمة الجنايات الدولية لإصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس البشير.
الانقلابات تطرح كذلك تساؤلات مستحقة؛ عن تداعيات انقلابات العسكر، وتأثيرها على الدول والشعوب في الداخل، وعن دور ومكانة الجيش في مؤسسات الحكم، ومساهمتها في فشل وسقوط الدول في أتون التردي والعوز والفقر والفساد، وحتى تحول الدول لموطئ قدم وأرض خصبة للإرهاب والصراع، إضافة إلى عرقلة تحول الدول إلى مسارها الديمقراطي، برغم وعود العسكر المتكررة والفارغة بالتزامهم بتسليم السلطة للمدنيين، ثم تداعيات الانقلابات بكل أبعادها على أمن المنطقة والجوار بتحولها إلى دولة فاشلة تستقطب الصراعات وتعمق الخلافات.
اعتاد السودانيون على انقلابات متلاحقة، وصلت لسبعة انقلابات عدا عن محاولات الانقلابات الفاشلة. وبالجملة شهد السودان 12 انقلابا وعملية انقلاب فاشلة منذ عام 1958؛ ما أعاق تقدم واستقرار السودان، الذي يمكن له لو كان مستقرا، وساهم العرب بالاستثمار في الأمن الغذائي فيه، أن يكون اليوم بالفعل سلة غذاء العرب، كما كان يتردد في المقولة، التي طالما سمعناها منذ أن كنا طلبة في المدارس.
- عن الشرق القطرية