رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية يشدد على ضرورة الوصول إلى اتفاق لوضع حد للفظائع المرتكبة في غزة

أكد معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، أن الطريقة المثلى لوقف القتال الدائر حاليا في قطاع غزة، الذي تطالب به دولة قطر، هي ضرورة الوصول إلى اتفاق، ووضع حد للفظائع التي ترتكب بحق المدنيين، والتفاوض على اتفاق للإفراج عن الرهائن، معتبرا أن تحقيق ذلك سيمكن من الوصول إلى اتفاق في غضون أيام.
وأوضح معاليه، خلال الجلسة الافتتاحية لمنتدى قطر الاقتصادي، أن هناك ضبابية حول كيفية وقف الحرب من الجانب الإسرائيلي “الذي لا يميل لهذا الخيار.. فحينما نتحدث عن اتفاق من شأنه أن يؤدي إلى وقف إطلاق النار، سياسيون كثر يقولون إنهم سيواصلون الحرب”، مشددا على مواصلة دولة قطر العمل والضغط مع الشركاء للوصول إلى اتفاق، “شريطة أن تساعد الأطراف المتحاربة في تسهيل ذلك، لأن المسألة في النهاية بيدهم”.
وأشار معاليه إلى أن عملية التفاوض طويلة ومجهدة، حيث تم رصد خلال الأسابيع الماضية بعض الزخم، ولكن لسوء الحظ لم تتجه الأمور بالاتجاه المناسب، فالأوضاع حاليا تمر بحالة جمود، خاصة بعدما حدث في رفح، مضيفا “إننا لم نتوقف عن دورنا كوسيط رغم مواجهتنا العديد من التحديات في الأسابيع القليلة الماضية، والتي دفعتنا لإجراء إعادة تقييم.. فلم نكن نريد أن يتم استغلالنا كوسيط، وأردنا التوضيح للجميع أن دورنا يقتصر على الوساطة، وهذا ما نفعله، وسنواصل فعله، وأعتقد أننا حققنا تقدما كبيرا”.
كما نوه معاليه إلى أن ما يجعل عملية التفاوض صعبة هو وجود اختلافات جوهرية، فهناك جانب يود إنهاء الحرب وبعد ذلك الحديث عن الرهائن، والطرف الآخر يريد إطلاق سراح الرهائن ومواصلة الحرب، وطالما ليس هناك نقطة تفاهم بينهما، فلن نصل إلى نتيجة، منبها إلى أن ما يحصل في قطاع غزة يقضي بأن نقول له “كفى”.. فإذا نظرنا إلى الكارثة في غزة، نجد أن معظم التقارير تؤكد أن إعادة الإعمار تتطلب 40 إلى 50 مليار دولار وستستمر حتى 2040، وهذا ما تبينه الصور فقط، أي ما يشكل 10 إلى 20 بالمئة من الدمار الفعلي، بالإضافة إلى مخاطر امتداد رقعة الحرب أو العنف في المنطقة، وهذا ما رأيناه في البحر الأحمر وفي لبنان، وسيزداد مع استمرار الحرب”.
وعن مكتب حركة حماس الموجود في الدوحة، أوضح معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية أن وجود مكتب سياسي لحركة حماس في الدوحة بدأ عام 2012 بهدف خلق قناة تواصل بينهم والإسرائيليين والأمريكيين، وقد أكدت هذه القناة أنها فعالة بالنظر إلى الصراعات المختلفة منذ عام 2014 حتى اليوم، مبينا أن هذا المكتب اضطلع بدور رئيسي بما في ذلك عمليات الإفراج عن الرهائن، (109 رهائن) بفضل الوساطة القطرية في المفاوضات، وهي عملية الإفراج الوحيدة خلال الحرب الجارية ولم تكن نتيجة الضغط أو العمل العسكري.
واعتبر معاليه أن استمرار الحرب يتطلب وسيلة للتواصل، ورؤية قطر، ووجهة نظرها ترى ضرورة وجود إمكانية لنفاذ للأطراف كافة من أجل حل الصراع، مشددا على أن دولة قطر ليست طرفا في الصراع، ومبادئها، وسياساتها التي تدعم الفلسطينيين بتطبيق حل الدولتين لم تتغير وطالما لديها القدرة على المساعدة، ستساعد، فقد فعلت ذلك بين أفغانستان، وطالبان والولايات المتحدة الأمريكية، وبين الأطراف المختلفة في لبنان والسودان وغيرها وهذا في جوهر وصلب سياستها الخارجية (أن تبني على الوساطة للمساعدة في حل وتسوية النزاعات بين الأطراف والعمل على إيجاد توافق إقليمي).
وحول الوضع في قطاع غزة ما بعد الحرب، أكد معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، أن الحديث لايزال مبكرا حول هذا الأمر “لكننا نؤمن بحكومة فلسطينية واحدة مسؤولة عن الضفة الغربية وغزة، هذه الحكومة الفلسطينية يجب أن يتم تشكيلها بالتوافق بين الفلسطينيين لتقود العملية الانتقالية في البلد، لكن تصريحات الحكومة الإسرائيلية ترفض وجود السلطة الفلسطينية”، موضحا أنه مع الدمار الكامل للقطاع دون رؤية لدور السلطة الفلسطينية، سيصعب الوضع ليس فقط لقطر، بل للعالم أجمع، حيث قال في هذا الصدد “نحن نعمل مع شركائنا العرب، واللجنة السداسية والولايات المتحدة الأمريكية، من أجل التفكير بأفضل طريقة وصولا إلى اليوم التالي للحرب بحيث لا يؤثر ذلك في الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، ولا يقوض السلطة الفلسطينية”.

وحول خطط ومجالات الاستثمار القطرية خلال الفترة المقبلة أفاد معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية بأن الصندوق السيادي للاستثمار يتبع استراتيجية التنويع، فالولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة كانت سوقا مهمة، وكذلك آسيا من الأسواق التي تحظى باستثمارات قطرية كبيرة ونتابع الفرص هناك، منوها إلى أن دولة قطر تحاول التوسع في الأسواق الناشئة، مثل منطقة آسيا الوسطى وإفريقيا، مع ضمان أن تكون الاستثمارات ليست عالية المخاطر، ومضمونة الاختصاص والعائد، خاصة وأن هذه الاستثمارات تتعلق بالأجيال المقبلة.
وأضاف معاليه أنه على الصعيد المحلي، أطلقت دولة قطر استراتيجيتها الثالثة للتنمية الوطنية والتي تعتبر المرحلة الثالثة لتطبيق رؤية 2030، وأن قطر خلال السنوات الـ25 الماضية ركزت على البنى التحتية، بينما المرحلة الحالية معنية بالبناء على كل ما تحقق، وأن صلب الاستراتيجية الثالثة التركيز على رأس المال البشري، وإطلاق العنان لكفاءاتها، وفتح الفرص للقطاع الخاص، بحيث تتراجع أو تنسحب الحكومة، وتكون المنظم.
ونوه معاليه أيضا إلى أن الحكومة تعمل على خلق برنامج محفز يشجع القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب بالتركيز على الشؤون اللوجستية، والسياحة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصال، والخدمات المالية وغيرها من القطاعات الأخرى، مشيرا إلى أن هناك قطاعات أساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، حققنا تقدما ملحوظا في الاستثمار في بناها التحتية، ولا تزال فيهما آفاق كبيرة من أجل تحسين البعد الاقتصادي في الرعاية الصحية، والبحوث والتطوير.
وبخصوص الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، أكد معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية أن عالم الذكاء الاصطناعي، كبير ويتطلب استثمارات هائلة في البنى التحتية والتطبيق، مبينا أن دولة قطر تركز على كيفية الاضطلاع بدور تكميلي للدول الأخرى، لأن هناك مشاريع طموحة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وفي هذا الإطار نركز على تحسين البرامج الأساسية لاستخدام الذكاء الاصطناعي أو في البعد المتعلق بالبنى التحتية.
وتابع معاليه بأن هناك بنى تحتية يتم العمل على إقامتها وتوسيعها، وتخصيص جزء منها للبحوث والمؤسسات التربوية وإطلاق برامج تعليم حول الذكاء الاصطناعي، مشيرا إلى الإعلان عن إطلاق مشروع الذكاء الاصطناعي العربي “الفنار” الذي يعتمد بشكل أساسي على جمع بيانات إعادة الجودة باللغة العربية ويسهم في إثراء النماذج اللغوية الكبيرة والحفاظ على الهوية العربية الذي يفتح آفاقا وفرصا كبيرة في السوق العربية، حيث يمكن لمطوري التطبيقات وغيرهم أن يستخدموه من أجل التطوير.
وعن العلاقات الاستثمارية بين قطر والمملكة العربية السعودية، أكد معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، أن التعاون قائم خاصة وأن السوق السعودية كبيرة، ومهمة للشركات القطرية لإقامة الأعمال هناك فمهما كان ما تفعله أي دولة خليجية، ستستفيد الدول الأخرى منه، فهناك ترابط كبير بيننا وذلك يسهل التجارة وقطاع الأعمال.
وبشأن المستقبل الاقتصادي واستقطاب الاستثمارات الأمريكية والصينية إلى قطر في ظل التنافس الشديد بينهما، أكد معاليه أن استقطاب هذه الاستثمارات يشكل تحديا، لكن بالنسبة للمنطقة فهو فرصة، وقطر كما تعمل على إرساء السلام السياسي، فهي تأمل أن ترسي السلام اقتصاديا أيضا.
وعن أفضلية التعامل مع إدارة أمريكية جمهورية أو ديمقراطية، أبرز معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية أن الأمر لا يختلف بالنسبة لدولة قطر لأنه تربطها علاقات طويلة الأمد مع الإدارة الأمريكية بغض النظر عن رئيسها، مشددا على أن العلاقة بين المؤسسات هي أساس العلاقة بين البلدين.
ولفت معاليه إلى أنه لا توجد اختلافات كبيرة بين رئيس أمريكي جمهوري كان أو ديمقراطي فيما يخص الشرق الأوسط، حيث تم العمل مع الرئيس ترامب خلال رئاسته، وكانت هناك مقاربات ورؤى مشتركة معه بخصوص بعض المسائل الإقليمية، غير أنه لم يتم التوصل لنقاط اتفاق في أحيان أخرى، تماما كما هو الحال مع الرئيس بايدن، ضاربا المثال باتفاق أفغانستان الذي جرى خلال إدارة ترامب، وعملية الإجلاء مع الرئيس بايدن، وكذلك ما يخص وقف إطلاق النار في غزة ومجالات أخرى.
وأكد معاليه أن الحاجة إلى الأمن تتربع على “هرم الاحتياجات” في المنطقة، فطالما هناك حرب فإن الأمن الإقليمي مهدد ولن تكون هناك إمكانية “توقع واستباق”، ولذلك قطر حاليا ورئاسة مجلس التعاون الخليجي هذه السنة تركز على حث الشركاء في دول الخليج على التفكير بأفضل إطار أمني إقليمي من أجل ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.
وفي الختام، أعرب معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، خلال الجلسة الافتتاحية لمنتدى قطر الاقتصادي، عن قلقه العميق من تصعيد الحرب واستمرارها وعدم اليقين لدى بعض السياسيين الذين يواصلون الحرب دون أي اتجاه أو وجهة يذهبون إليها، بما يعزز مخاطر اتساع رقعة الحرب، قائلا “الأمن جوهري في المنطقة وعلينا أن نحافظ عليه قدر الإمكان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى