قطر… عندما تكون الدبلوماسية لغة، والتفاوض منهجًا، والحوار أسلوبًا – أ.د قيس عبد العزيز الدوري : باحث أكاديمي

 

في منطقة تتقاطع فيها المصالح وتتنازع فيها القوى، برزت دولة قطر كصوتٍ عاقل، ورمزٍ للاتزان السياسي، ومثالٍ للدولة التي جعلت من الدبلوماسية لغتها، والتفاوض منهجها، والحوار أسلوبها.

قطر، التي لا تسعى للضجيج الإعلامي ولا للمناكفات السياسية، بنت سياستها الخارجية على أسس من الحكمة، وبعد النظر، والاحترام المتبادل. لم تطرق أبواب الحروب، بل فتحت نوافذ السلام، ولم تنخرط في صراعات تستهلك الإنسان والموارد، بل كرّست إمكاناتها في رعاية الوساطات، وحلحلة الأزمات، وبناء الجسور.

دبلوماسية هادئة… لكنها فعّالة

النهج الدبلوماسي القطري أصبح اليوم علامةً فارقة في السياسة الدولية. من الدوحة إلى كابول، ومن غزة إلى بيروت، ومن الخرطوم إلى صنعاء، تلعب قطر أدوارًا محورية في تهدئة التوترات، ورأب الصدع، وإنقاذ الأرواح.

إنها دبلوماسية تقوم على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتعظيم الحلول السلمية على حساب أي شكل من أشكال التصعيد.

التفاوض القطري… ثابت المبادئ، متحرك الوسائل

قطر لا تساوم على مبادئها، لكنها تمتلك مرونة سياسية فائقة في إدارة التفاوض. لا تمارس ضغطًا يخلق عداوات، ولا تُقدّم تنازلات تمس سيادتها، بل تُفاوض بمنطق الدولة الواثقة، العارفة بوزنها، والعاملة لصالح الجميع.

وقد أثبتت الملفات الإقليمية والدولية أن قطر دولة تُحسن الإصغاء، وتُتقن الرد، وتُبدع في إيجاد مداخل غير تقليدية للحلول.

الحوار… من ركيزة داخلية إلى خطاب عالمي

الحوار ليس شعارًا في الدوحة، بل سياسة مؤسسية متجذّرة في الثقافة القطرية. فقد دعت قطر دائمًا إلى الانفتاح الحضاري، والتسامح، واحترام الاختلاف. وهذا ما نراه في مبادراتها الدولية، ومراكزها الفكرية، ومؤتمراتها العالمية، التي تُعزز الحوار بين الأديان، وبين الشرق والغرب.

داخليًا، تنتهج قطر نمطًا تنمويًا تشاركيًا يقوم على التواصل المستمر بين القيادة والشعب، والاستماع إلى الآراء والانتقادات في إطار وطني جامع.

المال القطري في خدمة السلام

خلافًا لبعض الدول التي تسخّر ثرواتها لشراء الولاءات أو تمويل النزاعات، تُسخّر قطر ثروتها لخدمة الإنسان، من خلال مشاريع الإغاثة، ودعم اللاجئين، وإعادة الإعمار في مناطق النزاع. إنها قوة ناعمة راقية، تمارس مسؤوليتها الأخلاقية والإنسانية دون ضجيج.

واخيراً قطر اليوم ليست فقط دولة ذات سيادة مستقلة، بل دولة ذات “رؤية” مستقلة، تؤمن أن السلاح لا يُنتج إلا مزيدًا من الرماد، بينما الحوار يُنتج فرصًا، والتفاوض يصنع سلامًا، والدبلوماسية تحافظ على الكرامة والسيادة.

وإن العالم، في ظلّ كل هذا التمزق، يحتاج إلى دول تشبه قطر…

دول تُجيد الصمت الحكيم لا الصراخ الأجوف، وتُحسن الإصغاء لا الإقصاء، وتبني مستقبلها بالحكمة لا بالتخويف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى