كيف نجحت السياسة التركية في خلط الأوراق على الطامعين ‏والمتربصين ؟

في مقال قيم للسيد مخلص برزق قال فيه ان الحرب الاقتصاديّة تشتدُّ وتَعظُم ضدَّ تركيا، وتتزاحم أطراف عديدة للمشاركة في ‏تأجيجها وعلى رأسهم السّعودية والإمارات، ومعهم ومِن خلفهم الولايات المتّحدة ‏الأميركيّة وبعض دول الاتحادّ الأوروبي. والآثار السلبيّة الأوليّة لتلك الحرب لا تكاد ‏تخفى، انخفاضاً في سعر الّليرة التّركيّة مقابل الدّولار الأميركي، مع أمانٍ وآمال من ‏تلك الأطراف أن ينعكس ذلك على الاقتصاد التركي برمّته في المدى القريب أو ‏البعيد، وأن يؤدّي ذلك إلى قلاقل داخليّة تطيح بأمن واستقرار البلاد.‏
وتابع ان تركيا التي أصبحت دولة محوريّة في منطقةٍ ساخنةٍ تعجّ بالأحداث الخطيرة التي ‏تمسّ العالم بأسره، نجحت فيها السِّياسة التّركية في خلط الأوراق على الطَّامعين ‏المتربِّصين، وتمكّنت من إفشال خطط الدُّول الكبرى في حجز موطئ قدمٍ لها ‏لاستنزاف ما بقي من خيرات البلاد التي دمَّرتها المؤامرات الخارجيّة التي استهدفتها ‏لوأد ربيع الحُرِّية المنشودة من الشُّعوب المقهورة، وذلك بعد أن تمَّ إجهاض الثَّورات ‏والبطش بأصحابها ومَن وَقَفَ خلفَها.‏
ولأنَّنا ما نزال في مرحلة المُدافعة والمُغالبة، فالمُحاولات على أشُدِّها لتنحية تركيا ‏وتهميش دورها بل وإقصائه بالكليّة، وهو ما يستدعي التفاف الغيورين من أبناء هذه ‏الأمَّة حول تركيا والدِّفاع عنها بكلّ الوسائل المشروعة كونها القوّة الوحيدة الباقية ‏الحامية للضُّعفاء، الحاضنة لهم، بعد أن تكالبت قُوى الشَّر والاستبداد عليهم ولم يجدوا ‏سوى تركيا ملاذاً لهم ومأوى.‏
وبين بلدان إسلاميّة كثيرة مستهلكة، تبرز تركيا كبلدٍ إسلاميّ مُنتِج، يعتمد في إنتاجه ‏على ثروات البلاد ومواردها المحلية، وبأيدٍ عاملة محلية مؤهَّلة تأهيلاً عالياً.‏
وأضاف المقال : إنّ المآلات الخطيرة المترتِّبة على نجاح الحملات المغرضة من النَّيل من تركيا يُحتِّم ‏على علماء الأمّة بشكلٍ رئيس أن يكون لهم إسهامٌ جادّ وملموسٌ في مواجهة تلك ‏الحملات الشَّرسة ومن ضمنها تلك الدّاعية إلى مقاطعة المنتجات التّركيّة، ومقاطعة ‏السَّياحة إلى تركيا والاستثمار فيها، ومن شأن ذلك أن يلحق ضرراً كبيراً بذلك البلد ‏المسلم، في مقابل التّرويج للتّطبيع مع العدوّ الصّهيوني والتّعامل التّجاري السِّرِّي ‏والعلني معه، وهو ما يصبّ مباشرة في مصلحة العدو الذي بدا واضحاً أنَّه المستفيد ‏الأكبر من تلك الحملات الخبيثة.‏
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنَّ الخيار الآخر لها يكمن في الترويج لاستبدال ‏البضائع والمنتجات التركية ببضائع الصّين، البلد الذي يمارس الآن أبشع أشكال ‏الإبادة الجماعية بحق الشعب الإيغوري الذي احتلت الصين أرضه تركستان وسلبته ‏كافة حقوقه وحرياته.‏
إنَّ الترويج لمقاطعة المنتجات التركية إنَّما ينطوي على دعوة للفساد والإفساد في ‏الأرض وتقطيع أواصر الأمّة وإضعافها من خلال موالاة الكافرين ومعاداة المؤمنين. ‏وعلى علماء الأمّة الصَّادقين أن يرفعوا صوتهم ببيان حُرمة ذلك على غرار ما قام به ‏الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين عام 2015 حين أصدر بياناً لدعم المنتجات التركية ‏جاء فيه: “ندعو المسلمين (أفراداً وشركات وحكومات) إلى الوقوف مع تركيا في ‏قضاياها العادلة، ونفتي بوجوب دعم المنتجات التركية، واقتصادها بكل الوسائل ‏المتاحة تحقيقا للأخوة الإنسانية والجهد الواحد‎”.‎‏ ودعا البيان “الدول الإسلامية، ‏والشعوب المسلمة، والشركات والأفراد جميعا إلى دعم المنتجات التركية وتقوية ‏اقتصادها بالسياحة ونحوها، فلا يجوز شرعا ترك تركيا وحدها، لأنَّ ما أصابها ‏اليوم من المقاطعة والعزلة إنَّما هو لأجل وقوفها مع الحقّ والعدل، ومع قضايا أمّتنا، ‏مع السوريين والفلسطينيين، مع جميع المستضعفين في الأرض من ميانمار ‏والصومال إلى العراق، ومصر، وليبيا، حتى أصبحت تركيا اليوم قبلة لجميع ‏المظلومين” واعتبر البيان أن دعم تركيا واقتصادها بكلّ الوسائل المشروعة، ‏‏”واجب إسلامي تقتضيه الأخوّة الإيمانية”، كما أنَّ هذا الواجب “يستدعيه الولاء ‏للمسلمين والوقوف صفّاً واحداً، الذي تواردت عليه مجموعة من الآيات الكريمة، ‏والأحاديث الشريفة”.‏
وأشار الى انه لابد هنا من ربط الأحداث بعضها ببعض لفهم أسباب تلك الحملات المغرضة في ‏هذا الوقت تحديداً، فقد جاء توقيتها مع بدء فرض صفقة القرن على دول المنطقة ‏تطبيعاً للعلاقات مع الكيان الصهيوني، ومحاربة ومحاصرة لكل من يقف في وجهها. ‏وإنَّ أحد صور الهجمة التطبيعية الحالية التضييق على كل من يناصر القضية ‏الفلسطينية وشيطنته، وذلك لتبرير ذلك التوجه الآثم نحو العدو الصهيوني، ومن ذلك ‏ما حدث في زمن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من حصار لدولة قطر وقتل ‏للمعارض جمال خاشقجي، واعتقال العشرات من الدعاة والمصلحين المعروفين ‏بمناهضتهم للتطبيع مع الكيان الصهيوني، واعتقال أكثر من ستين فلسطينياً من ‏المقيمين في السعودية بتهمة تمويل المقاومة في فلسطين، وكان الموقف التركي ضد ‏جميع تلك الممارسات الظالمة التعسفية ما أدى إلى استهدافها إعلامياً واقتصادياً ‏وسياسياً، وجاءت الأوامر الحاسمة بقلب ظهر المجنّ لها.‏
إنها إشارات لا تخفى على أي مراقب بأنَّ السعودية تسير على خطى الإمارات نحو ‏التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني وصولاً إلى ممارسات حكام الإمارات المستفزة ‏للأمّة بأسرها ارتماءً بأحضان بني صهيون وتغزلاً بأساطين الإجرام واستقبالهم في ‏جزيرة العرب على أنهم حمائم سلام وادعة في ذات الوقت الذي يهاجم فيه أبناء ‏فلسطين وتلصق بهم أقبح الصفات من قبيل نكران الجميل وجحود النعمة والإساءة ‏لمن أسدى لهم معروفاً!! كل ذلك بالتزامن مع الحملة الموازية ضد تركيا قيادة وشعباً ‏واتهامها بإشعال المنطقة والتخطيط لغزوها وإعادة ما يسمونه الإمبراطورية ‏العثمانية مع اجترار ما يأتيهم من حثالات الغرب من أحقاد دفينة ضدها. كل ذلك ‏لإشغال الشعب عن الجريمة الكبرى بالتطبيع الآثم، والتبرير لارتكابها بصناعة عدو ‏لدود أشد خطراً من المشروع الصهيوني الذي عاشت الأجيال دهراً تناصبه العداء ‏التاريخي.‏
إنها ليست أول محاولة لكسر إرادة المارد التركي الذي انتفض لإثبات ذاته وإعادة ‏الاعتبار للمكانة الحقيقية التي تستحقها تركيا والشعب التركي والوقوف في وجه ‏السياسات العنصرية الظالمة التي انتهجتها الدول الغربية ضدها منذ أكثر من قرن ‏من الزمان. ورغم أن تركيا تبدي قوة وتماسكاً في وجه الرياح العاتية التي تهب ‏ضدها إلا أن ذلك لا يبرر اتخاذ المسلمين في كافة أنحاء الدنيا موقف المتفرج لما ‏يحصل من حرب شعواء تجاه ذلك البلد المسلم الذي بات الأمل المنشود لإعادة كرامة ‏مهدورة وعزة مفقودة وحقوق مسلوبة.‏
على المسلمين جميعاً أن يصطفوا إلى جانب تركيا بكل استطاعتهم، بكلمة، بموقف، ‏بعبارة شكر تغيظ الأعداء، ببيان وفتوى، باستثمار وسياحة وترويج للمنتجات ‏والبضائع التركية، بمقاطعة منتجات الداعين إلى مقاطعتها جزاءً وفاقاً. مع يقين تام ‏بأن قوة تركيا قوة لشعوبنا المستضعفة المغلوبة على أمرها، وتمكيناً ورفعة لهم، ‏والوقوف إلى جانبها فيه تعبير عن العرفان بالجميل الذي طوقتهم به سياسات تركيا ‏المنحازة إلى الضعفاء والمستضعفين في زمن أشاحت عنهم وعن معاناتهم أكثر دول ‏العالم، ذلك الزمن الذي جفت فيه ينابيع الإنسانية وقست فيه القلوب فهي كالحجارة أو ‏أشد قسوة.‏

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى