- ترتجف أضلاع صغارنا من البرد، وتَنْدَكّ أجسادهم النحيلة بمسامير الزمهرير، وتغرق بطانياتهم التي يتدفؤون بها في أمطار المنخفض، وتنزع الريح العاصفة أوتاد الخيام المنصوبة على الرمال الموحلة.
- ولم تمتدّ إلينا يدٌ عبر الحدود القريبة لتضع الضعفةَ منا والمرضى والمصابين تحت سقف آمن، أو في مصحّة علاجٍ، بل إننا يئسنا منها يأس العارفين.
- لكننا نعلم أننا من الطين الذي هو هذا الماء والتراب: منه ابتداءُ خلقِنا، وإليه نعود بعد أن نكمل دورة حياتنا، ولن تذوب الأرواح إذا دُفنت الأجساد في هذا الطين.
- هذا الطين المُوحِل الذي يخنقنا ويُمرِضنا وينغّص علينا حياتنا الكئيبة اليوم سنصنع منه أيها الأوغاد حجارةً، وسنغرز فيه أعمدة نعيد بها بناء بيوتنا ومساجدنا ومدارسنا ومعاملنا ومعسكراتنا المقاتلة.
- هذا الطينُ البائس هو في حقيقته حياةٌ إذا ارتدينا له رداء العزيمة، وتجهّزنا له بسلاح العناد، وستبدع أناملنا الذهبية في صياغة مسارات الحياة الجديدة منه.
- هذا الوحلُ أيها الأوغاد لم يتسلّل إلى قلوبنا، ولم يغطّ عقولنا، ولم يعرف سبيل الوصول إلى موقد إصرارنا ومنبع ثباتنا، ألا ترون أنّه قادر على إنبات زهرة فوّاحة من بين عتماته الغاطسة وفوهاته النازّة!
- في هذا الوحل سنضع بذور نخيلنا، وأشتال زيتوننا، وسيحمل رحمُ الوحلِ أجنّةَ التين والعنب، ويُجري في أفلاجه لُعابَ العسل واللبن، وسيتماسك الوحل ليكون قلعة فوق الأرض أو تحتها.
- هذا الوحلُ صديقُنا اللدود الذي لا تظهر صداقته إلا في نهاية حكايته فلا تغضبوا منه إذا قسا عليكم فإن قلبَه طيبٌ بريء كبراءة انعكاس الشمس في غدران مستنقعاته التي علّمتنا السباحةَ الصعبة، ولن يكون مثل قلوب جيراننا الأقربين.
9.