- لقد زيّن الشيطانُ لأولئك القتلة الأوغاد أعمالَهم، وبَسط لهم الغرورُ آمالَهم، ولم يجعل الله في قلوبهم رأفةً يترأّفهم بها القادمون، أو يرحمهم بها الراحمون، ولقد جثمت علينا أيّام قاسية لم يَعْبُر علينا مثلُها من قبلُ، واحتمل شعبنا من الأذى ما لا تطيقه البشر، ووقَع علينا من فواجع الكارثة وذريع الفتك ما تَشِيب له الوِلْدان؛ وكادت الأحلامُ تَطِيش.
- وقد ترجّل في هذه المعركة منّا كبار الأبرار وأعيان الأطهار، وعشنا أيام الله العجيبة في خوف ولهفة، وفي رجاء وشفقة، وفي عزّة ووجع، وفي صبر وانكسار، وفي مصابرة واحتيار، وفي جوع وصيام، وفي قهر واصطبار؛ فسلّم اللهُ مَن سلّم، وأَسلم لأقداره مَن أسلم.
- وقد زرع الله في قلوبنا روحاً منتقمة لا تهدأ ثائرتها، لا تعرف المغفرة، ولا تهتدي إلى سبيل المسامحة، ولا تندم في طلب مكرمة الثأر، فالانتقام هنا عدلٌ، والتجاوز فضلٌ، وإنّ في الشوك عنباً حامضاً يحلو بلَعقةِ لُعاب المنتقمين المظلومين، ولن يَسْكنوا حتى ينتزعوا النوم من أهداب أجفانكم.
- إننا لم نكن لننسى لحظةً أن اللجام قد انفكّ فجْرَ السابعِ العظيم، وطِئْنا به رأسَ العدوّ في مشهد من مشاهد تجدُّد التاريخ الذي لا تُنسَى آثارُه، ولن تتوقف مناقشات أحداثه وتداعياته، وسيكون هذا اليوم بكل أثقاله تجربة إنسانيّة حافلة بعِبَر المَفاخر والمَفاجر، وسيظل كاشفاً لمرحلة عالمية سقطت فيها زيوف هذا العالم الوقح الجبان، وبانَ المرجُ كلّه بلا جليد عاكسٍ يستر عوراته.
- ولقد كشفتم أدبار الخائنين المارقين، وآويتموهم في العراء دارَ الفاسقين، وسيلاحقهم عار الخذلان إلى يوم الدين فوق ما يأتيهم من عقاب قريب، وإدانة فاضحة.
- لقد قاتلتم أيها العظماء بلا ظهير عسكري، ولا عمق استراتيجي، ولا سلاحٍ ثقيل، ولا إسنادٍ منتظَر، ولا مؤونة حاضرة، ولا غطاء حامٍ، فلم تنكسر شوكتكم، ولم تَلِن قناتُكم، ولم تهِن عزيمتكم، ولم تنكسر حملتكم، ولم يعوج صفّكم.
- لقد كنتم جند الله الأبرار، وصوت الحقّ الماضي، ووثبة القدَر النافذ، والرياح الزعازع في ثبات الجبال، وكتبتم ملحمة الأمة بفَخَار، وزرعتم فيها قوّة الأمل، وربطتم في فؤادها الواجف يد القدرة، وجعلتم من الموت نشوراً، ومن القليل كثيراً، ومن الصغير كبيراً.
- وقد رأينا قوة بأسكم، وشدّة مِراسكم، وصدق انتقامكم، وأمانةَ جندكم، ومدد الله لكم حين انقطعت الحبال، وفرّت الجبال الثِّقال، ونثِق أنّ من استطاع بلوغ وثبة الطوفان الهائلة تلك فإنه قادر على أكبر منها من حيث لا يحتسبون، وما ذلك إن شاء الله بعزيز.
- أيها الأبرار: إن لسان الزمان ينطق بشكركم، ويصدح بذكركم، وإنّ عيونه تسطع بثباتكم، وهي ما تزال تستبشر بمَرْأى نواصي خيولكم الأولى، وترتقب استئناف صَولتكم، وجميل العوض الإلهيّ لكم.
- وأحسب أن الطوفان تنفتح أبواب سدوده الآن، بتداعياته واندياحاته، فلا تربطوا الأحزمة!