صعود اليوان الرقمي وتأثيره على دول الخليج: بين الفرص والتحديات – د. قيس عبد العزيز الدوري

شهد العالم في 17 مارس 2025 تطورًا ماليًا استثنائيًا مع إعلان بنك الشعب الصيني عن الربط الكامل لنظام تسوية اليوان الرقمي عبر الحدود مع دول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) وست دول في الشرق الأوسط. هذه الخطوة لم تكن مجرد تحديث تقني، بل مثلت إعادة هيكلة عميقة للنظام المالي العالمي، حيث أصبح 38% من حجم التجارة العالمية قادرة على تجاوز نظام SWIFT الذي يهيمن عليه الدولار الأمريكي. في ظل هذا التغيير الجذري، تبرز تساؤلات جوهرية حول انعكاسات هذا التحول على دول الخليج، التي تعد من أهم المراكز الاقتصادية والمالية عالميًا.

أولًا: الفرص الاقتصادية لدول الخليج

  1. تنويع قنوات الدفع والتجارة

لطالما كانت دول الخليج شريكًا استراتيجيًا للصين، خاصة في قطاع الطاقة، حيث تعد الصين أكبر مستورد للنفط الخليجي. ربط النظام المالي الخليجي باليوان الرقمي يفتح المجال أمام تسويات مباشرة للمعاملات التجارية، مما يقلل الحاجة إلى الدولار الأمريكي كعملة وسيطة، ويجعل المعاملات أكثر كفاءة وسرعة.

  1. خفض تكاليف المعاملات المالية

التقنية القائمة على سلسلة الكتل (Blockchain) التي يعتمد عليها اليوان الرقمي قللت زمن التسوية المالية العابرة للحدود من أيام إلى ثوانٍ، وخفضت رسوم التحويلات بنسبة تصل إلى 98%. هذه الفعالية قد تكون مغرية للبنوك الخليجية، خاصة في ظل سعيها لتعزيز التحول الرقمي.

  1. تعزيز التكامل المالي مع الصين

مع تصاعد العلاقات الاقتصادية بين الصين ودول الخليج، يمكن أن يصبح اليوان الرقمي خيارًا رئيسيًا للمعاملات المالية بين الجانبين. بعض البنوك الخليجية، مثل مصرف الإمارات المركزي، شاركت بالفعل في مشاريع تجريبية مع الصين في هذا المجال، مثل مشروع mBridge، الذي يهدف إلى إنشاء جسر مالي رقمي بين الصين والإمارات وهونغ كونغ وتايلاند.

ثانيًا: التحديات والمخاطر المحتملة

  1. التوازن الجيوسياسي بين الصين والولايات المتحدة

التحول نحو اليوان الرقمي قد يثير مخاوف في واشنطن، التي تعتمد على هيمنة الدولار كأداة للنفوذ الجيوسياسي. دول الخليج تربطها علاقات اقتصادية وعسكرية عميقة بالولايات المتحدة، وأي تحول جذري نحو اليوان الرقمي قد يؤدي إلى ضغوط سياسية واقتصادية من الجانب الأمريكي.

  1. استقرار العملات المحلية

الاقتصادات الخليجية تعتمد على الدولار في سياساتها النقدية، حيث أن الريال السعودي والدرهم الإماراتي مرتبطان رسميًا بالدولار. أي تحوّل كبير إلى اليوان الرقمي قد يؤثر على استقرار العملات الخليجية ويؤدي إلى تقلبات غير متوقعة في أسواق الصرف.

  1. الرقابة المالية والشفافية

بينما يعزز اليوان الرقمي من كفاءة المدفوعات، إلا أنه يخضع لسيطرة مشددة من قبل الحكومة الصينية، مما قد يثير مخاوف لدى دول الخليج بشأن سيادتها المالية، خاصة إذا ارتبطت المدفوعات عبر هذا النظام بقواعد رقابية صينية صارمة.

ثالثًا: كيف يمكن لدول الخليج الاستفادة دون المخاطرة؟

  1. تبني نهج متوازن بين الدولار واليوان

بدلًا من التخلي الكامل عن الدولار، يمكن لدول الخليج اعتماد استراتيجية تنويع، حيث يتم استخدام اليوان الرقمي في المعاملات مع الصين، مع الإبقاء على الدولار في التعاملات العالمية الأخرى، مما يحقق مرونة مالية ويقلل من المخاطر.

  1. تطوير العملات الرقمية الخليجية

يمكن لدول الخليج الاستفادة من تجربة الصين في هذا المجال عبر تطوير عملاتها الرقمية الوطنية مثل “الدرهم الرقمي” أو “الريال الرقمي”، ما يعزز استقلاليتها المالية ويقلل اعتمادها على أنظمة مدفوعات خارجية.

  1. تعزيز التعاون مع جميع الأطراف

التعاون مع كل من الصين والولايات المتحدة في المجال المالي والتكنولوجي، بدلًا من الانحياز لطرف واحد، يمكن أن يكون الحل الأمثل لضمان الاستقرار المالي وتحقيق أقصى استفادة من التحولات الرقمية.

الخاتمة

يشكل اليوان الرقمي ثورة في النظام المالي العالمي، وهو سلاح اقتصادي استراتيجي قد يعيد تشكيل موازين القوى المالية. بالنسبة لدول الخليج، فإن هذا التطور يحمل فرصًا ضخمة لتعزيز التكامل مع الصين، لكنه في الوقت نفسه يفرض تحديات جيوسياسية معقدة. النهج الذكي هو التعامل مع هذا التحول بحذر، عبر الموازنة بين الاستفادة من التقنيات المالية الجديدة، والحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع الشركاء الدوليين. في عالم يتحول بسرعة نحو الرقمنة، فإن من ينجح في تحقيق هذا التوازن سيكون في موقع القوة في النظام المالي الجديد ولمعرفة المزيد من المعلومات المالية يرجع إلى كتابي تطوير أسواق الأوراق المالية في دول مجلس التعاون الخليجي وهو دراسة تحليلية لمؤشرات تنمية سوقي أبو ظبي ودبي للأوراق المالية وهو رسالة ماجستير من مركز تطوير الادارة العامة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى