لم تكن قناة الجزيرة، منذ انطلاقتها في تسعينات القرن الماضي، مشروعًا إعلاميًا عابرًا أو منبرًا يُضاف إلى زحام الشاشات فحسب ، بل كانت – ولا تزال – مرآة نادرة في فضاء عربي اعتاد التعتيم لا الكشف، والاحتواء لا المواجهة.
الجزيرة كسؤال كبير في وجه العالم العربي قدّمت ما لم يكن مألوفًا:
أصوات معارضة من الداخل والخارج ورؤى النخب والمفكرين الذين حُرموا من منصات وطنهم ونقاشات حول المقدّسات السياسية وتغطية حية للشارع… لا للبيان الرسمي فقط . لم تأتِ لتدين، بل لتكشف.
ولم تأتِ بأجندة خارج الوعي العربي، بل ولدت من قلبه، من حاجة الناس للكلمة، من توقهم للمعرفة، من ألمهم المكبوت. منحت الجميع فرصة التطور… فلماذا أنكروا؟
النخب الفكرية: أُتيحت لها مساحة التعبير، لكنها في كثير من الأحيان اكتفت بدور الضحية ولم تطور خطابها.
الأنظمة السياسية: عارضت الجزيرة، هاجمتها، شيطنتها… لكنها في العمق استفادت من النقد وبدأت في تطوير أدواتها الإعلامية والإدارية
الشارع العربي: رأى نفسه على الشاشة لأول مرة، وتحرّك، وتساءل، لكن بعضه خاف من الحرية حين اقتربت
الجزيرة كانت أشبه بـ”امرأة ذكية وقوية” دخلت حياة رجلٍ مأزوم منحته الحب والفرصة والنصيحة…
لكنه اختار أن يُنكر فضلها بدل أن يغيّر نفسه
الجزيرة لم تخلق الانقسام… بل أظهرته
البعض يظن أن الجزيرة “زرعت الفوضى”، لكن الحقيقة أن الجزيرة فقط كشفت ما هو مزروع أصلًا:
أنظمة مأزومة بالاستبداد
نخب منفصلة عن شعوبها
شعوب مسحوقة بلا صوت
معارضات مأزومة ببنية خطاباتها
فجوة هائلة بين الحاكم والمحكوم
من الذي استفاد فعلًا؟
دول مثل قطر نفسها، طوّرت خطابها السياسي، الاجتماعي، وحتى الداخلي بفضل النقد المفتوح
دول أخرى، رغم عدائها المعلن، طورت من إعلامها ومن سياساتها الأمنية والاجتماعية بشكل غير مباشر كأنها تُجبر على إعادة الحسابات
حتى من أنكَرها… عاد وصاغ خطابه متأثرًا بها
ومن الذي لم يستفد؟
الذي بقي جامدًا، يخاف النقد، يظن أن الجزيرة خطر لا فرصة
من ظنّ أن الكاميرا تُهدد
من خاف من رأي المواطن
من أراد فضاءً عربيًا يعيد فقط نشر البلاغات الرسمي
هؤلاء لم ولن تغيّرهم الجزيرة، إلا إذا غيّروا أنفسهم أولًا.
الجزيرة ليست الجواب… لكنها فتحت الأسئلة
وهذا يكفيها فضلًا وتاريخًا.
قناة الجزيرة ليست حزبًا سياسيًا ولا جهة خلاص،
بل كانت وما زالت:
منصة حرة في بيئة مأزومة
نافذة للذات قبل أن تكون سلاحًا ضد الآخر
فرصة ذهبية للوعي والتغيير… لكن لمن استجاب
فمن صدّق، تغيّر.
ومن كذّب، ظلّ كما هو… حتى سقط بما حاول إخفاءه.