- إنّ السقوط يبدأ بوهن القلوب، فابدأ بنفسك، وحرّض المؤمنين!
- وقد جاء التحريض في القرآن في موضعين،جاء في أحدهما مقترناً بالأمر بالقتال وتكليف النفس: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا).
- وجاء في الثانية التحريض في سياق القتال والثبات عليه (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ على الْقِتَالِ).
- وهذا التحريض ليس حثّاً بارداً، ولا ترغيباً دعائيّاً، وليس بياناً رسميّاً، وليس احتجاجاً خفيّاً مسجّلاً، ولا استنكاراً شاكياً، بل هو حملة جادّة تتعاهد فيها طليعة المؤمنين الصادقين على استقبال الشدائد، وعدم السماح لها بالمرور إلى مَن وراءهم، واقتراح الاقتحام بديلاً، واتّخاذ الإقدام سبيلا.
- وتأويل التحريض في البيان القرآنيّ أن يحثّ المرءُ على أمرٍ ما حثّاً شديداً ويبالغ في تكراره وتبريره ويحتجّ له، ويؤكّد على شدّة الاحتياج إليه، ويعلم أنّه حارِضٌ إذا تخلّف عن هذا الأمر؛ والحارِض هو ذاك الذي قارَبه الهلاك، وأذابه الغمّ والهمّ والحزن، وأتلف جسمَه مرضُ النفس وأفسده، وإذا اقتربت هذه المشاعر القاتلة من الإنسان قتلَتْه في آخر المطاف، (حتى تكونَ حَرَضاً أو تكون من الهالكين). والمُحْرِض: الْهَالِك مَرضاً الَّذِي لَا حيٌّ فيُرجَى، وَلَا ميّت فَيُوأَس مِنْهُ.
- والتحريض هو إزالة هذا الحَرَض، إذ إنّ صيغة “فَعّل” تأتي لإزالة المعنى وقلبِه، كما أن تقول: فزّعه إذا أزلتَ فزعَه، ومنه قوله تعالى (حتى إذا فُزِّع عن قلوبهم).
- وهذا التحريض ليس حالة مؤقتة، بل هو حالة مستديمة، فيها ثبات ومواظبة ومُواصَبة، فإذا قيل: حارَضَ فلان على عمله، فهذا يعني أنه مواظب عليه مستنفِر فيه لا يتركه.
- وهذا التحريض المستديم يسهّل الأمور العظيمة، ويجرِّئ الدخول عليها، ويرفع المجتمع إلى مصافّ التحدّي، ويجعله أقوى استعداداً، وأشدّ إقداماً واقتحاماً.
- والتحريض على نصرة أهل الثغر في أيامنا هذه بات أمراً داخلاً في الوجوب بسبب ذاك الانحطاط الذي وصلت إليه أوضاعُ بلادنا، حتى صِرْنا كالحُرْضة الذي لا يأكل من اللحم إلا لحم الميسِر والقمار لنذالته وضعف همّته عن دفع ثمن اللحم أو المبادرة بصيده.