يُطرح في النزاعات الكبرى سؤال استراتيجي بالغ الأهمية: هل يؤدي نزع سلاح طرف من الأطراف إلى السلام؟ أم يفتح الباب لتفوق طرف آخر وبالتالي تصاعد العنف والإرهاب؟
هذا السؤال لا يمكن الإجابة عنه بنعم أو لا، إذ يرتبط بالظروف المحيطة بالنزاع، والتوازنات القائمة، والضمانات الدولية أو المحلية المرافقة لعملية النزع.
البعد الاستراتيجي لنزع السلاح
• التوازن أم التفوق؟
عندما يُنزع السلاح من طرف واحد دون الآخر، فإن ذلك يخلخل ميزان القوى ويمنح الطرف الآخر تفوقًا استراتيجيًا. هذا التفوق قد يُغري الطرف الأقوى بفرض شروطه بالقوة بدلًا من التفاوض، مما يزيد احتمالات العنف بدل الحدّ منه.
• السلام القائم على الردع
السلام غالبًا لا يقوم فقط على النوايا الحسنة، بل على توازن الردع؛ أي شعور كل طرف أن الطرف الآخر قادر على الدفاع عن نفسه. فإذا أُزيل هذا الردع بانسحاب سلاح طرف، سقطت المعادلة.
• الدور الدولي
في بعض الحالات، لا يكون نزع السلاح مجديًا إلا إذا ترافقت العملية مع ضمانات دولية قوية، أو وجود قوات مراقبة محايدة تضمن عدم استغلال التفوق العسكري.
شواهد تاريخية
1. اتفاقية فرساي 1919
بعد الحرب العالمية الأولى، فُرض على ألمانيا نزع سلاحها الثقيل وتقليص جيشها. الهدف كان ضمان السلام، لكن النتيجة كانت عكسية: إذ شعر الألمان بالمهانة والضعف، ما فتح الطريق لصعود النازية وحرب عالمية ثانية أكثر دموية.
2. التجربة الإيرلندية (اتفاق الجمعة العظيمة 1998)
في إيرلندا الشمالية، كان نزع سلاح الجماعات المسلحة جزءًا من اتفاقية سلام شاملة. لكن ما جعل العملية ناجحة نسبيًا هو التوازن السياسي والضمانات البريطانية – الإيرلندية – الأمريكية، إضافة إلى إدماج المقاتلين السابقين في الحياة السياسية والاقتصادية. أي أن النزع لم يكن إذعانًا لطرف، بل جزءًا من صفقة متوازنة.
3. الحرب الأهلية في لبنان (1975–1990)
بعد اتفاق الطائف، طُلب من الميليشيات تسليم أسلحتها، لكن لم يُطبَّق ذلك على جميع الأطراف، مما خلق لاحقًا خللًا في ميزان القوى بين المكوّنات اللبنانية. هذا الخلل أدى إلى استمرار توترات مسلحة حتى اليوم.
دروس استراتيجية
• نزع السلاح الأحادي يولّد هشاشة أمنية ويؤدي إلى زيادة العنف والإرهاب، لأنه يفتح المجال لتفوق طرف واحد.
• نزع السلاح المتوازن ضمن اتفاق سياسي شامل وضمانات حقيقية، يمكن أن يكون مدخلًا إلى السلام الدائم.
• غياب العدالة في العملية يحوّل نزع السلاح من وسيلة للسلام إلى أداة للهيمنة.
واخيراً اقول :-
إذن، نزع السلاح ليس بحد ذاته وسيلة للسلام أو للعنف، بل هو أداة تعتمد نتائجها على سياقها الاستراتيجي: إذا جاء في إطار عدالة وتوازن وضمانات دولية، قد يحقق سلامًا مستدامًا؛ وإذا جاء في إطار إذعان لطرف على حساب طرف، فهو وصفة مؤكدة لمزيد من العنف والاضطراب هذه وجهة النظر الاستراتيجية مجردة عن من هو المقصود والعاقل يفهم من محارب قديم .