نوبل ٢٠٢٥ تُكرِّم العقول… لا العُقَد – أ.د قيس عبد العزيز الدوري


في كل عامٍ تُعلن فيه جوائز نوبل، يعلو صوتُ العقل على ضجيج الغرائز،
ويصعد العلماء إلى منصة التكريم بينما يتعثر الحاسدون في ظلال أنفسهم.
فجائزة نوبل لا تُمنح لمن يُتقن الوشايات أو التزييف،او من يصنع عشرات المواقع الوهمية ويجعلها تمتدحه كعالم نوبل جهاز يعرف العلماء الحقيقين كأي جهاز امني عالمي دولي .
بل تُمنح لمن يُتقن فنَّ التفكير والإبداع والنفع العام.
إنها لا تُكرم العُقَد النفسية، بل العقول النيّرة التي تصنع الخير للإنسان.
الطبّ: توازنٌ بين الهجوم والحماية
فاز بجائزة نوبل في الطب لعام 2025 ثلاثة علماء أكّدوا أن الحكمة هي أساس القوة:
ماري برانكو، فريد رامزدل، وشيمون ساكاغوتشي،
بعد اكتشافهم “كوابح المناعة” التي تمنع الجسم من مهاجمة ذاته.
اكتشفت برانكو الخلايا التائية التنظيمية (T-regs)،
وفكّ رامزدل شيفرة الجين المنظم لها FOXP3،
وأثبت ساكاغوتشي وجودها فعليًا في التجربة.
بهذا التوازن أنقذوا البشرية من أمراض المناعة الذاتية،
وأثبتوا أن القوّة بلا ضبطٍ تصبح دمارًا 
تمامًا كما أن الطموح بلا ضميرٍ يصبح لعنة.
الفيزياء: من الحلم الكمي إلى الواقع
نال جون كلارك وميشيل ديفوريت وجون مارتينِس الجائزة
عن اكتشافهم ظاهرة النفق الكمومي على المستوى الكبير،
التي جعلت العالم يرى الخصائص الكمية بعينه المجردة.
فالعلم، هنا، لم يكتفِ بالخيال… بل جعل الخيال مقياسًا يمكن لمسه.
الكيمياء: الجزيئات التي تتنفس
ذهبت الجائزة إلى سوسومو كيتاغاوا، ريتشارد روبسون، وعمر ياغي الأمريكي ذو الأصول العربية الفلسطينية،
عن تطويرهم الهياكل الفلزية العضوية (MOFs)،
التي تُستخدم في التقاط الغازات وتنقية المياه وتخزين الطاقة.
إنها ثورة خضراء في عالم الكيمياء،
ورمزٌ إلى أن العلم العربي الأصيل ما زال قادرًا على الإبداع متى وُجدت بيئة تشجعه لا تُحاربه.
الأدب: الكلمة التي تشفي
نال الكاتب المجري لازلو كراسناهوركاي الجائزة عن أدبه الفلسفي الذي يرى الجمال في الفوضى،
ويقدّم اللغة كوسيلة خلاصٍ لا كأداة وصف.
لقد جعل الأدب نفسه علاجًا للروح… في زمنٍ تمرض فيه الأرواح بالحسد.
السلام والاقتصاد: ما زال الأمل ينتظر الإعلان
لم تُعلن بعد جائزتا السلام والاقتصاد،
لكن العالم يتطلع إلى من يستحقهما بالعمل لا بالشعارات.
فكم من “ساعي سلام” في العلن… يحمل حربًا في قلبه.
بين الشكّ والتكريم
يُهاجم البعض نوبل باتهامات شتى:
مرّة بانتماء الفائزين لمنظمات دولية ، واصبح واضح ذلك نتيجة الحسد .
لكن الحقيقة أن الفاشلين هم أول من يشكّكون في العظمة،
لأنهم يعجزون عن الوصول إليها.
نوبل لا تنتمي لدين أو طائفة أو سياسة 
إنها تنتمي للعقل، ولمن خدم البشرية بصدق.
العرب بين الوشاية والعلم
في عالمٍ عربيٍّ تكثر فيه الوشايات وتقلّ فيه المختبرات،
تضيع نوبلات كثيرة قبل أن تولد.
فالعالم الحقّ لا يلهو بإيذاء الناس،
ولا يلجأ للوشايات ولا يسرق أفكار الآخرين،
بل يضيء شمعة في ظلام الجهل.
من يحسد العلماء… لن يصبح منهم،
ومن يطارد نوبل بالحيلة… لن يراها إلا في المنام.
جائزة نوبل لا تُشترى ولا تُخطف،
ولا تُنال بالحقد، بل بالإخلاص، والصدق، والعمل.
هي امتحانٌ للعقل والضمير معًا —
تُكرِّم من خدم الحياة، وتُقصي من خانها.
تحيةً للعلم والعلماء،
ولتبقَ نوبل منارةً تضيء الطريق للعقول… لا للعُقَد والأمراض النفسية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى