لقاء اللواء مع سعادة الشيخ محمد بن أحمد بن جاسم آل ثاني وزير الإقتصاد والتجارة القطري الأسبق 

@ قطر لديها إقتصاد مفتوح ولديها صمامات أمان ، والصندوق السيادي إحدى صمامات الأمان

@ المؤسس جاسم لا يعرف المستحيل وكأنه يقرأ الأوضاع بذكاء 

@ المؤسس جاسم جعل قبائل قطر مترابطة ومتماسكة تحت لوائه

حاوره : أحمد القوبري 

هذه زاوية نطل بها على مختلف قضايا الساعة عبر حوارات سريعة نحاول من خلالها عبر ” لقاء اللواء” ان نسلط الضوء على الحقيقة وكل جديد في السياسة والرياضة وكل قضايا الوطن والمواطن . 

وضيفنا اليوم هو سعادة الشيخ محمد بن أحمد بن جاسم آل ثاني وزير الإقتصاد والتجارة القطري الأسبق.

@ في البداية ، أشرح لنا كيف تبلورت لديكم فكرة كتاب “جاسم القائد” ، والوقت الذي استغرقته في جمع الوثائق اللازمة التي تم بناء عليها الكتاب ؟ 

•• الوالد “رحمه الله” كان يأخذنا ونحن صغاراً في الشتاء الى البر ، وفي الصيف يأخذنا إلى البحر ، وكان لدينا بيت بحر في منطقة (ام زبيرة ) في وسط مدينة راس لفان الصناعية حالياً و على البحر مباشرة ، وكنا نذهب إلى الروض في الشمال شتاء مثل (روضة منيفة) ، فنحن أهل بر وأهل بحر وأهل مقناص ، حاول الوالد أن يجعلنا نعيش نفس الطريقة التي عاشها وشاهدها ، وهذه الاحداث هي التي بلورت فكرة الكتاب وكيف كان أجدادنا يعيشون ‏حينها .

كان عمي الشيخ عبدالعزيز بن جاسم يسكن في المرخية ، وعمي الشيخ فهد بن جاسم  ، وعمي الشيخ سلمان بن جاسم في الخيسة ، ووالدي كان يسكن في المرخية وثم تركها و استقر في الشمال حيث ولدنا و عشنا في مدينة الخور بعد زواج والدي من الدتي التي كانت من اهل الذخيرة – عليهم وعلى أهلهم اجميعين الرحمة و المغفرة ، وعندما كنت صغيراً تولعت مع حياة الوالد بالقنص والبر و صيفاً بالبحر حيث حتى كبر الوالد لم يتخلى عن ام زبيرة او السمبوق في قضاء الصيف في قطر. 

في البداية عندما بحثت ‏عن عمل متكامل يغطي فترة ما قبل (جاسم) اي فترة دخول آل ثاني للمنطقة ، من الحوطة ثم واحة جبرين ثم السكاك والى شمال قطر ، لم يكن يوجد عمل متكامل يغطي فترة حكم جاسم وحتى وفاته واستلام الشيخ عبدالله بن جاسم الحكم ، فالكتاب ينتهي عند وفاة جاسم ، و لم يتواجد عمل شامل يغطي تاسيس الدولة و النشاط الإقتصادي والتجاري والأحداث التي حدثت ، وأين كان العالم الآخر يعيش ، 

البحث الذي قمت به كان بالعربي من البداية وكانت الفكرة أن يكون ايضاً الكتاب بالعربي ولكن ارتأيت ان إبداء الكتاب باللغة الانجليزية و من ثم ترجمته لاحقا . 

لقد قضيت اكثر من 25 سنة أكثرها كانت في السفر لليابان للعمل لتطوير و التفاوض لمشروع قطر غاز من سنة 1989 م إلى إن وقعنا العقد في سنة 1992 وصولاً إلى تصدير اول شحنة غاز مسال من راس لفان في  

1.1.1997

و هذا الوعد الذي أخذناه على انفسنا في عام 1989 ان تغادر اول شحنة في هذا التاريخ. خلال تلك السفرات و هذه الفترات كنت أقضي بها ساعات في المطارات ، فعندما كنا نسافر من الدوحة إلى اليابان كانت الرحلة تتوجه من الدوحة إلى البحرين ونبقى ساعات  8 في المطار ومنها إلى هونغ كونغ ونبقى ايضاً  4 ساعات في المطار وثم ننطلق إلى تايبي عاصمة تايون وننتظر في مطارها ساعتين تقريبا ومنها إلى طوكيو ، ومن مطار طوكيو إلى الفندق المسافة 3 ساعات أيضاً ، كانت الرحلة مليئة بالتعب تأخذ من الوقت 26 ساعة تقريبا ، وثم كنا نبدأ العمل والاجتماع في صباح اليوم التالي وبعد الإجتماع مباشرة نذهب للمطار ونعيد نفس الكره ، 

هذا الوقت الطويل كنت أستغله في تجميع الأوراق وقراءتها وفهرستها وكنت شغوفاً جداً في هذا الأمر وشغف والدي جعلني أهتم أكثر ، وايضاً كان هناك وثائق موجودة في الديوان الأميري و لدى بعض الباحثين وبعضهم شاركني صور منها .

الأمر الآخر ان والدي لم يرى والده الجد جاسم (المؤسس) لانه عندما توفى الشيخ جاسم كان عمر والدي حينها سنتين ونصف تقريباً، 

لقد حدثتني عمتي الشيخة نايله بنت جاسم شقيقة الوالد والتي كانت تسكن في (مريخ) والتي رأت والدها الشيخ جاسم وكانت تقول لي ان والدي يجيبوه صغير عند ابوه جاسم وما كان يفطن في ابوه ، وكان جاسم كبير في العمر وحسب معلوماتي ان النظر عنده قد ضعف في آخر عمره .

وصية جاسم

وايضاً كان والدي يحب ان يجمع الأشياء القديمة وركز على شيئين وهما (الأشعار والوصية) لجاسم ، فالأشعار طُبعت في ديوان وهذا الديوان يعتبر مصدر مهماً ، أمّا (وصية جاسم) فقد أستطعت أن أحصل على النسخة الأصلية عليها من عند الوالد ، والوصية تعتبر درساً من الدروس ، ويوجد في الوصية نوعان ، نوع مختصر ونوع طويل . 

بداية الوصية تتحدث عن الإهتمام بالدين والحفاظ على الدولة ، وتتحدث الوصية ايضاً عن توزيع ثروة جاسم على الأقارب وصولاً إلى البعيد والخدم وجميع من رافقه في هذا الدرب  ، وكل من كان مع “جاسم” كان له نصيب من الثروة ، حيث كان يمتلك ثروة كبيرة من تجارة اللؤلؤ و التي عززها لتأسيس الدولة ولم شمل القبائل.

ولديه وقف في البحرين ولكنه غير معروف الآن او لا نعرف عنه شيء ، ولديه ايضاً وقف كبير في الرياض في منطقة سلطانة ما زال موجوداً.

أمّا من الناحية الثقافية كان “جاسم” يطبع الكتب ويترجمها في الهند ويأتي بها عبر البحر ويوزعها في كل الجزيرة العربية ، وكان قاريء ومتابع للأحداث الحاصلة مثل ضعف الدولة العثمانية وكان لديه مصادره التي تمده بالأخبار ، وكان يوازن في علاقاته بين العثمانيين والإنجليز للحفاظ على كيانه ، واستطاع في (معركة الوجبة) أن يهزم العثمانين الذين هزموا نصف أوروبا . 

كُتب السيرة الذاتية

لا يوجد كتاب يغطي المرحلة من البداية إلى النهاية في قصة جاسم ، فالذي كُتب عنه سابقاً ‏كان عن معارك محدودة وبطولات محصوره ، فلا يوجد كتاب يعطي القارئ المعلومة الكاملة عن الموضوع ، فعندما رجعت إلى كتب السيرة الذاتية لأشخاص ، فرأيت أن سيرة الشخص شيء ولكن في الواقع ان الناس يجذبهم كيف كانت حياة هذا الشخص . 

تاريخ 18 ديسمبر

عند وفاة محمد بن ثاني واستلام جاسم للحكم ، جاءت برقية من المعتمد البريطاني في البحرين بتاريخ 18/12/1878 تهنئة على إستلام الحكم وتعزية بوفاة والده ، وعليها تم أعتبار  تاريخ 18 ديسمبر كيوم وطني للبلاد .

@ ما الذي يميز النسخة العربية من الكتاب من وجهة نظركم ؟ 

•• بالطبع ان الكتاب الإنكليزي له قراء ، وقد كتبته ليخاطب القارىء الأجنبي لذلك تجد به تحولات من مكان لآخر وربط المواضيع وتخيل القارىء للمكان والزمان ، وقد تم توزيع عدد 6000 نسخة من الكتاب الإنجليزي حتى نهاية 2022 ، والترجمة العربية أصبحت سهلة لقراء اللغة العربية وأصبح كتاب “جاسم القائد” مرجعاً لكثيرين . 

وعندما ترجمته إلى اللغة العربية أختلف القارىء ، واستطاع أن يفهم واقع الحياة الاقتصادية والإجتماعية والعسكرية خاصة الجيل الحالي ، وتم طباعة 5000 نسخة مع دار النشر الإنكليزية – بروفايل بوكس التي تحتفظ بحقوق ملكيتي للكتاب وتمنع أي اعتداء على الملكية الفكرية وقد اخترت التوزيع للنسخة العربية مع دار الوتد القطرية ، فالنسخة العربية فتحت لي المجال في أن يكون القارىء العربي أقرب لي من الأجنبي . 

@ من المؤكد انكم واجهتكم بعض التحديات والصعاب أثناء ترجمة وكتابة الكتاب، حدثنا عنها ؟ 

•• التحديات التي واجهتني اولاً أن الكتاب الأنكليزي صدر في سنة 2012 وكان هدفي أن أترجمه بسرعة ولكن مررت ببعض الظروف التي أعاقت ذلك ، واستطعت في 2018 ان أترجمه وهذا يحتاج إلى مترجم متخصص وتوجهت لمترجمة عربية معروفه لها صيت في الترجمة واستطاعت أن تشوّق القراء في السرد ، وطلبت مني مدة ستة أشهر وامتدت إلى سنة بسبب مراجعتي المكثفة وأنتهينا في نهاية 2019 مع دخول أزمة كورونا وفي سنة 2021 أردت “إجازة الكتاب” في وزارة الثقافة وكان هناك بعض الملاحظات إلى أن تجاوزناها وحصلت على الموافقة ، ومما لا شك فيه أن الكتاب مبني على وثائق رسمية و لم ارغب في احدات تغيرات على النسخة العربيه إلا إذا لم أستطع تعزيزها بمستندات رسمية واغلب الأحيان متوافقة مع القصص التي تبناها اكثر الرواة في قطر و الذين قضيت مع من بقى منهم وقتا مفيدا و شيقا.

@ كونكم أحد أحفاد المؤسس الشيخ جاسم، أشرح لنا أهم العوامل التاريخية التي شكلت ملامح التنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية لدولة قطر في العقود الماضية ؟ 

•• اولاً ، إستطاع المؤسس الشيخ جاسم أن يجعل قبائل قطر مترابطة ومتماسكة تحت لوائه ، وهذه القبائل حافظت على قيم عالية جداً ويمشون على خط واحد ، وفيما يتعلق بالتنمية كان هناك تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية منذ حكم الشيخ محمد بن ثاني ، وكان مدخول قطر العام السنوي حوالي 40 ألف جنية أغلبها من تجارة اللؤلؤ ، و”جاسم” كان له قصيدة مشهورة يقول فيها : (جمعناها من مال حلال) ، فالشيخ جاسم عمره ما أخذ مال أحد او بخس مال غيره ، فكان يشتري اللؤلؤ من الناس دون أن يبخسهم و يتاجر فيه ليبني اقتصاد الدولة.

وكانت الميزانية تقدر بـ 40 ألف جنية إسترليني تقريباً في سنة 1895م وكان عدد السكان ما بين 10 إلى 12 ألف نسمة وجزء منهم كانوا رُحّل (ينتقلون من مكان لآخر) وكان عدد المراكب بحدود 990 ما بين مركب صغير وكبير من جالبوت  إلى المراكب التي تذهب إلى الهند وافريقيا ، كذلك كانوا يهتمون بزراعة النخيل بقدر المستطاع مع ان اغلب التمور كانت تأتي من البصرة ، من الناحية الاجتماعية وفي عهد الشيخ جاسم لم  يموت احد من الجوع ، كان يسد حاجات الناس بقدر الإمكان وكان خيره لقطر ويذهب حتى لخارج قطر . 

والجوانب الثقافية في قطر كانت مبنية على دراسة القرآن والدين وتعلم القراءة والكتابة ، فالناس كانوا متدينين ومنهم “جاسم” ، فالشيخ جاسم ووالده الشيخ محمد بن ثاني كانوا يأمون و يخطبون الجمعة في مسجدين في الدوحة ، مسجد في البدع ومسجد في اطراف مشيرب و قريب من دوار الجيدة الحالي ، وعلى فكرة لا احد يعرف طفولة الشيخ جاسم ولم يدون له احد شيء في طفولته ، بدأ الناس يتكلموا عنه وهو في عمر ال16 سنة كفارس وشاعر في فويرط ، وفي عمر ال20 بدأ جاسم يشارك والده في بعض المناوشات السياسية ، وكتاب (جاسم القائد) هو الكتاب الوحيد الذي أحصى كل ذلك . 

@من المعروف أن هناك ندرة في الوثائق والمراجع عن المؤسس وشخصيته، فكيف تغلبتم على هذا الأمر ؟ 

•• لقد بدأت بالأرشيف التركي والوثائق المحلية والوصية وديوان جاسم اي أشعاره ، وتركت المكتبة الإنكليزية في النهاية ، حيث أستخرجت منها الكثير من الوثائق وذهبت ايضاً إلى بومبي مرتين للإطلاع على وثائق شركة الهند الشرقية ، وبالطبع في الهند أجتهدت بشكل شخصي لانه قد يتم تزوير الوثائق ، وكنت أضع الوثائق لدي في لندن وتوجد أيضاً وثائق في مكتبة قطر الوطنية  عرضت مؤخرا و كنت قد حصلت على نسخ منها مسبقاً. 

عندما كتبت كتاب (جاسم القائد) كنت في بريطانيا ، وعندما بدأت في كتابته بالانكليزي قررت أن يكون آخر بحث وتجميع في المكتبة الإنكليزية ، وجمعت من الأرشيف العثماني في تركيا عن طريق شخص تركي في بريطانيا وهو باحث ويجيد اللغه العثمانية قراءة وكتابة ، وقام بإحضار حول 11 ألف وثيقة ، وقمت بتوظيفة لمدة سنة وطلبت منه ان يقوم بترجمتها الى اللغة العربية وثم قمت بترجمتها الى اللغة الانكليزية .

@ ما هي أهم الدروس المستفادة من كتاب “جاسم القائد”؟ 

•• اولاً ان الله هو الذي حفظ قطر وحماها بفضله ، فقد مرت بأوقات عصيبة ،  وأهل قطر هم أهل خير لذلك ربي حاميهم ، والمجتمع القطري متجانس ومتكاتف ، وايضاً الأخلاق الحميدة والقيم منذ وقت جاسم إلى اليوم لم تتغير و اتمنى ان نبقى و نزرع ذلك في اجيالنا.

والمؤسس جاسم لا يعرف المستحيل ، لقد كان قائداً ومؤمناً وذكياً وشجاعاً يقرأ الأوضاع بذكاء ويدير الأمور بحكمة ويُجنب البلاد ويلات الخراب عند ادراكه الخطر.

نفس الصورة ..ونفس المشهد يتكرر

إحدى القصص عندما ذهب الشيخ جاسم إلى البحرين بعد أن أعطوه العهد والأمان وثم تم حبسه ، وعندما رجع جاسم من سجنه بعد سنة إلى قطر استقبله كل الشعب القطري ، ايضاً تمثل ذلك المنظر امامي مرتين لسمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عندما عاد من رحلة العلاج سنة 1997م أستقبله الشعب والمقيمين إستقبالاً شعبياً حاشداً ، وكذلك سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عندما عاد من الأمم المتحدة أثناء الحصار استقبلته الحشود من المواطنين والمقيمين، فكانت نفس الصورة تتكرر ونفس المشهد مع ثلاث قادة وحكام لقطر . 

بطولات “جاسم” 

“جاسم” لم يسمح لأحد ان يحتل قطر ، وهناك مجموعة وقائع واحداث مفصلية كادت أن تنهي قطر وجاسم معاً ، 

ففي العام 1850م قررت الدولة السعودية الثانية بزعامة فيصل بن تركي أن تضم قطر تحت حكمه ، فأرسل محمد بن ثاني أبنه “جاسم” وهو في مطلع العشرينات من عمره ، فأستطاع جاسم قتل أشرس المقاتلين في تلك الحملة وقال قصيدته المشهورة :- 

نطحنا السبايا بالسبايا ودبّرت 

‏ودم العتيبي فوق رمحي وشايل

‏فإن كان مانروي السنان ونلتـقي

‏نحور السبايا بالسبايا الاصايل

وايضاً أحداث قصف الدوحة والزبارة من قبل البحرية البريطانية واستطاع جاسم وأهل قطر الدفاع عنها ، وكذلك مقتل إبنه علي بن جاسم الملقب بـ(جوعان) وهو الإبن الرابع من أبناء جاسم وقد تأثر كثيراً لمقتل أبنه ، حيث كان “جاسم” يرى نفسه في إبنه “علي” وانتقامه كان شرساً ، 

وايضاً من ضمن الوقائع والاحداث التي كادت أن تنهي قطر وجاسم هي (معركة الوجبة) وثم مقتل أخيه احمد . كل هذه الوقائع كادت أن تنهي قطر ولكن أستطاع “جاسم” أن يتجاوزها بحكمة ودهاء سياسي وإيمان صادق وعبر بقطر إلى بر الأمان ، “جاسم” كان صادق مع ربه وتنطبق عليه الآية الكريمة: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) . 

@ لديكم مسيرة حافلة في قطاع صناعة النفط والغاز ، حدثنا عنها ؟ 

•• تخرجت بتخصص (إدارة صناعية و ادارة عامة ) عام 1984م وكنت أحتاج حينها لموافقة للإنضمام في “قطر للطاقة ” من رئيسها في ذلك الوقت الشيخ عبدالعزيز بن خليفة آل ثاني ، فأحالوني للمركز الفني الذي كان يديره المهندس سعيد المسحال فلم أجد نفسي في هذا المكان ، فكتبت للشيخ عبدالعزيز بن خليفة كتاب عاطفي أبين له أبعادي عن مكان ارى مستقبلي فيه ، فطلبني وقابلته فقال لي من الآن تذهب لدوامك في “قطر للطاقة ” فذهبت للإدارة الفنية فوضعت في تحدي بعدم استلامي  لأية عمل حتى أكمل سنه من التدريب المكثف و قبلت ذلك وكنت اذهب إلى عملي في الساعة الرابعة فجرا، حيث أنني أسكن في مدينة الخور وأعمل في دخان ، وكان ينتهي الدوام الساعة السادسة المغرب ، وثم عملت في مسيعيد (كافكو) .

وثم أنتقلت إلى العمليات البحرية في (راس ابو عبود) وثم إلى حالول وثم إلى المنصات الثلاث (بو الحنين – العد الشرقي – ميدان محزم) ثم انتقلت إلى (كابكو) و مصفاة مسيعيد  فكان لدي إلمام بكل شيء وقد كتبت  تقريراً عن كل زيارة وما زالت هذه التقارير موجودة لدي ، وثم جاءني أمر بالإنتقال إلى إدارة التسويق في عام 1986م فاشتغلت في تسويق الزيت الخام (البترول) و المنتجات البترولية وكنت حينها مركزا على الغاز و تسويقه.

وبعد تسعة أشهر جاء الشيخ راشد بن عويضة آل ثاني كرئيس لجنة (قطر غاز) بعد تأسيس الشركة وكان معنا شركة BP و توتال فقط ، و عيّنت عضو في لجنة التسويق في قطرغاز و عضو مجلس ادارة في شركة كوبينور الفرنسية المشتركة بين قطر وشركة سي دي إف شيمي الفرنسية في فرنسا لأنني كنت أتحدث الفرنسية.

وفي أواخر سنة 1986م قمنا بزيارة لأوروبا بلجنة مكونة مني و الاخ احمد السالم وعضوية شخص من توتال وآخر من شركةBP وآخر من شركة ماربيني اليابانية بعد دخولهم المشروع  ، قمنا بجولة مكوكية لمعظم دول أوروبا من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وبريطانيا 

‏ “Enjoy your coffee”

اذكر عندما أجتمعنا مع شركة ENI الإيطالية للطاقة وتم عقد الإجتماع في “لاونج” وقدموا لنا القهوة وشرحنا لهم عن كيفية تطوير مشروعنا …

قال رئيسهم لنا هل أنتم مجانين ، أن سعر البترول ب 7 دولار وسعر الغاز بدولار ونصف ومشروعكم يكلف 4 مليارات دولار فكيف يمكن ان تمولوا او تطورا المشروع، أنتم تضحكون علينا ، فقلت لهم إن وضع السوق سوف يتحسن ونحن سوف نقوم بالإنتاج خلال كم سنة ، فقال لنا Enjoy your coffee ومع السلامة ،

وخرجنا من الإجتماع محطمين ولكن كان لدينا أمل خاصة أنا و الاخ احمد السالم. في تلك الفترة شركة BP البريطانية كانت تشاركنا المشروع و لكنها مارست كل أشكال التشكيك بامكانية نجاح قطر.

ثم بعد ذلك زرنا اليابان مع الشيخ راشد بن عويضة وذهبنا إلى كوريا ايضاً لسبع شركات كهرباء وثلاث شركات غاز ولم يكونوا مرحبين ولا مهتمين بحجة ان السوق مغرق بالطاقة .

مقابلة سرية

وفي آخر عام 1988م جاءني شخص من شركة ميتسوي اليابانية ولم يكونوا شركاء في المشروع وقال لي ان مدير مكتبنا في ابوظبي يريد ان يقابلك (بشكل سري) فرحبت به ، وبالفعل جاءني بعد أسبوع وقال بأن وفد من شركة ميتسوي يرغبون مقابلة الدكتور جابر المري – مدير قطر للطاقة بعد اليه راشد، ولكن نريد تعهد منكم أن يبقى هذا الأمر بيننا بشكل سري حتى تتضح الأمور. 

وجاء الوفد وقابلونا مع الدكتور جابر وقالوا  ان هناك شركة يابانية مهتمة قد تشتري الغاز منكم ، شريطة أن يبقوا الموضوع سرياً من ستة أشهر حتى سنة حتى يطمئنوا ان المشروع ممكن ان ينجح اقتصادياً ، ومن هنا بدأت العجلة تدور ، وقد وعدناهم انه في يناير من العام 1997م سوف تصلهم (الشحنة الأولى) وبالفعل وصلتهم على الموعد المحدد و تلك المبادرات فتحت الأبواب لقطر لتصل اليوم لرفع طاقتها الإنتاجية الى 142 مليون طن ، وهذا دليل  ان حكومة قطر لديها مصداقية كبيرة في جميع المجالات.

وبعد نجاح التعاقد مع الشركات اليابانيه ، تفاوضت بعدها على عقد لأسبانيا و كوريا والهند وإيطاليا و تم بيع كميات كبيرة لم نكن نحلم بها . 

@ تبنت قطر سياسات إقتصادية متكاملة أسهمت في رفع تصنيف الدولة في العديد من التقارير الدولية، فكيف تقيم هذه السياسات؟ 

•• في يناير من عام 1994م سافرنا إلى نيويورك ، أنا كنت أمثل فريق التسويق وكان معي الدكتور حسين العبدالله من وزارة المالية يمثل فريق التمويل ، 

قابلنا (وكالة موديز) وايضاً (إس آند بي) ويعتبرون أهم وكالات التصنيف الإئتماني في العالم الذين يقيّمون الشركات بإحصائيات متعلقة بالأسهم والسندات ، لتصنيف مشروع راس غاز لتمويله.

هذه الشركات يقيّمون الدول بناء على مجموعة أمور منها سيادة القانون ، وقطر ولله الحمد متقدمة في هذا الموضوع ، وينظرون كذلك (للتعليم والصحة والتنمية البشرية) للتأكد بأن الأموال يتم صرفها بالشكل الصحيح ، وقطر تعد من أعلى الدول في التعليم والصحة والتنمية ، بالإضافة إلى انهم ينظرون لقوانين الأحوال الشخصية وتماسك المجتمع ، للتأكد من عدم حدوث فوضى ، وايضاً  يتابعون القوانين المصرفية والسياسة المالية ، وقطر ولله الحمد سياستها المالية مرنه تستطيع أن تتعامل مع شتى الأوضاع والظروف ،  وقد شاهدنا ذلك في أيام الكورونا والحصار وكيفية إدارة الأحداث ، وثم ترى هذه الشركات وضع الدولة وهل هي ديناميكية في إدارة الأوضاع وبناء على ما سبق يتم رفع التصنيف أو خفضه لأنهم مسؤولين أمام المستثمرين الذين سوف يشترون السند ، وإذا كان التصنيف نازل في هذه الحالة يجب أن تعطي أرباح مرتفعة ، وطبعاً قطر حصلت على تصنيف AA  ويعني (جدارة ائتمانية عالية) .

@ في ظل الظروف الراهنة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، و تقلّبات أسعارِ النفط، ما تأثير ذلك على قطر ؟ 

•• أنا ما زالت أعتقد أن النفط سيبقى سنين طويلة رغم انه يتعرض لحرب شرسة من دعاة  Green movement بسبب إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون ، صحيح ان أسعار النفط تتأثر اكثر ولكن كل شيء مربوط بالعرض والطلب ، وقطر لديها إقتصاد مفتوح ولديها صمامات أمان ، والصندوق السيادي إحدى صمامات الأمان . 

نعم نحن نتأثر كما يتأثر العالم ولكننا نعرف متى نستفيد ونعرف متى نقاوم عند الأزمات ولا نتجنب أحداث العالم ، واليوم نحن نتعامل مع بقايا أحداث كورونا وأحداث غزة واوكرانيا و اخيرا اعادة انتخاب ترامب للبيت الأبيض!

@ ما جدوى التوسع في انتاج الغاز وعمل المشاريع الجديدة، وانعكاس ذلك على الإقتصاد القطري ؟ 

•• قطر أثبتت انها دولة لديها نظرة  وأنها تستطيع أن تقرأ المستقبل ولا تتشبث بالماضي ولا تتأثر بآراء الاخرين ، لا بد من التوسع مستقبلاً لاستخدامه في الاستثمار المستقبلي لما بعد النفط والذي يواجه حرباً من دعاة (الانبعاث الحراري) رغم ان الغاز تأثيره البيئي أقل من البترول بحوالي 30 بالمئة ، 

وكذلك فإن نظرة قطر في تطور الإقتصاد المعرفي للحفاظ على حياة كريمة لشعب قطر والإستفادة من الفرص المتاحة ، 

من المعروف ان سوق الغاز يظهر كل خمس إلى سبع سنوات ثم يقوم بتغطيته منافس غيرك إذا لم تأخذه فستذهب عليك الفرصة ، لذلك نحن في قطر أخذنا الفرصة سنة 1997م والا كانت ذاهبة حينها للمنافسين في إندونيسيا وأستراليا .

نحن الآن أمام مفترق طرق كبير سوف يغير المفاهيم العالمية للإنتاج والإقتصاد بدخول الذكاء الاصطناعي والذي سيقزم الثورة الصناعية ولذلك لا بد من ركوب هذه الموجه قبل فوات الأوان ويجب الاستثمار فيها بشكل صحيح و ذكي مما يخدم اقتصاد قطر.

@ إلى أي مدى نجحت قطر في تنوع مصادر الدخل؟ 

•• اولاً الدولة الناجحة اقتصادياً يجب أن يكون التصدير فيها أكثر من الإستيراد ،  ثانياً التعليم يجب ان يكون مواكباً لسوق العمل ، ثالثاً توفر القدرة العاملة والمؤهلة ، رابعاً سيادة القانون وتكافؤ الفرص وشفافية الإجراءات ويسرها ، خامساً توفر رؤوس الأموال والتكنولوجيا .

وقطر لديها فرص في تنويع مصادر الدخل و أغلب هذه الفرص يستطيع القطاع الخاص أن يقوم بها لأن الدولة تدخل في الصناعات الكبيرة والاستثمارات الضخمة ، والقطاع الخاص قادر ويستطيع أن يتحمل خدمات السياحة والخدمات المالية ولدينا مركز المال وقانون المناطق الحرة ، وللعلم فإن الصناعة المتوسطة والصغيرة تنمو بسهولة في قطر وتحتاج لرعاية و دعم واضح و ميسر، في اليابان مثلا الصناعات المتوسطة و الصغيرة تمثل 99.7% من الشركات المسجلة و توفر 70% من الوظائف و 55% من القيمة المضافة للاقتصاد.

فيجب دعم القطاع الخاص لتنويع مصادر الدخل لأن الاقتصاد الكلي في الدولة سوف يستفيد من حيث التصدير ، الشحن ، الجمارك و كافة أنواع الخدمات كما يعتبر مردود للدولة والأفراد وتقليل الضغط على وظائف الدولة وخلق فرص للإبتكار . وللعلم فإن شركة (بتروناس الماليزية للنفط و الغاز) تبنت خلق 3000 صناعة صغيرة ومتوسطة تخدم الشركة و تحد من الاستيراد كما تصدر هذة الشركات الفائض أيضا  .

عندما كنت وزيراً للاقتصاد والتجارة قمنا بإجراء دراسة عن (القطاع الخاص القطري) وكانت الدراسة دقيقة جداً بنسبة 99% ، وكانت نتيجة الدراسة تؤيد نفس مفهوم بتروناس و دعم الصناعة المحلية مع ابقاء الصناعات الثقيلة المكلفة و الاستراتيجية للدولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى