سألني أستاذي الجليل، البروفيسور الدكتور سعد محمد عثمان، الأمين العام لمنتدى النخب والكفاءات العراقية، وهو أحد من غرَسوا فيّ حب العلم والهوية العربية منذ أن كنت طالبًا في المرحلة الأولى بـالجامعة في مدينة بغداد أواخر ثمانينيات القرن الماضي. لقد كان وما يزال رمزًا للعقل العربي المتزن، يؤمن بوحدة الأمة، ويحب كل أقطار الوطن العربي حبًا واحدًا، لا يُفرّق بين مشرقه ومغربه، ويخص الخليج العربي بحبٍ صادق، وقطر واحدة من تلك البلاد التي يجلّها ويثني عليها.
سألني عن المقال السابق وهو يتابع الصحف باهتمام بالغ ( قطر من جذور الرمال إلى آفاق الحضارة )، بكل محبة واهتمام أكاديمي:
“هل اسم قطر حديث النشأة؟ وهل ارتبط ظهوره بقيام الدولة الحديثة بعد الاستقلال؟” ثم أردف: “أليست قطر كانت قديمًا جزءًا من ولاية البصرة؟ فهل كانت تُعرف باسم مختلف؟”
وقد لفتني هذا السؤال لما فيه من عمق وبحث عن الحقيقة التاريخية، كما أبرز في الوقت ذاته خلطًا شائعًا بين الكيانات الإدارية السياسية والهوية الجغرافية والثقافية.
الحق أن اسم قطر ليس حديثًا قط، بل هو اسم موغل في القدم، أقدم ظهور له يعود إلى الجغرافي الإغريقي بطليموس في القرن الثاني الميلادي، حيث دوّنه بصيغة “كتارا” (Catara) على خرائطه الشهيرة، واضعًا إياه في نفس الموقع الجغرافي المعروف اليوم بدولة قطر، وتحديدًا في محيط الزبارة. وتشير الأبحاث إلى أن الاسم تطور لاحقًا في بعض الوثائق اليونانية إلى “قطارا” أو “كطارة”، قبل أن يُعرب إلى “قطر”، وهي التسمية التي بقيت ثابتة في كتب الجغرافيين والمؤرخين العرب.
في العصر الإسلامي، أشار ياقوت الحموي في معجم البلدان إلى “قطر” صراحة، وذكر أهلها بأنهم أهل بحر وتجارة وغوص، وأثنى على خصالهم من الكرم والشجاعة. كما أن المصادر الإسلامية والخرائط المتأخرة احتفظت بالاسم “قطر” في صيغه المختلفة دون أن تدمجه في مسميات أخرى، حتى وإن كانت تتبع إداريًا للبصرة العثمانية في بعض المراحل، فإن اسمها لم يندثر ولم يتغير، بل بقي معروفًا ومتميزًا.
وفي العصر العثماني، كانت قطر تُدار إداريًا ضمن ولاية البصرة في بعض الفترات، إلا أن جميع الوثائق والخرائط الرسمية كانت تُشير إليها باسمها المستقل “قطر”، وهذا ما يُؤكّده أرشيف الدولة العثمانية والخرائط الأوروبية التي استخدمت صيغًا مثل Qatara وKatara، مما يدل على رسوخ الاسم في الذاكرة الجغرافية العالمية.
ومع بدء التفاهمات البريطانية في القرن التاسع عشر، ثم إعلان الاستقلال عام 1971، بقي الاسم كما هو: “دولة قطر”، تأكيدًا على الاستمرارية التاريخية لاسمها، لا على استحداث جديد.
وهكذا، فإن من يتأمل في تاريخ هذا الاسم، يدرك أن “قطر” ليست تسمية حديثة، بل هو اسمٌ قديم ذو جذور متأصلة، سبق الدولة الحديثة بقرون طويلة. لقد حملت هذه الأرض اسمها عبر تقلبات العصور، وظلت هويتها راسخة في التاريخ والجغرافيا، وهو ما يجعلنا نزداد احترامًا لها، كما ازداد حب أستاذي الدكتور سعد محمد عثمان لها، بوصفها جزءًا من الخليج العربي العزيز، ومن جسد الأمة العربية الواحد.
المصادر: خرائط بطليموس – معجم البلدان لياقوت الحموي – صفة جزيرة العرب للهمداني – مكتبة قطر الرقمية – الأرشيف العثماني – الخرائط الأوروبية في العصور الوسطى – ويكيبيديا (تاريخ قطر)