إنهم يتحدثون بلغة دينية ظاهرة ساطعة، وهي لغة متوحّشة مكشوفة لا تخفي رسائلها في القتل والتهجير، والعبور في مشروعهم الكبير إلى ما وراء الحدود المستقرّة الآمنة.
ولكن قومنا لا يفقهون، وهل يَفْقَه رِعديدٌ جبانٌ!
جدعون واحد من الشخصيات العسكرية العامّية التي أضيفت إليها العديد من الأحداث والصفات الافتراضية مع مرور الزمان، فهو في الأساس عامل معصرة، ثم أصبحت قصص بطولته تشبه الحقيقة مع تكرار الحكايات المفخّمة عنه في التوراة التي تشوّهت بتحريفات حادّة، وتطاول العهود عن التحقق منها.
جدعون هذا من سبط منشى بن يوسف، وهو من أبطال الإيمان لديهم، وتعني كلمة جدعون بالعبرانية الحاطب أو الذي يقطع بشدّة، وهي كناية عنيفة مقصودة.
حكايات عشيرته كلها مع المديانيين المنسوبين إلى “مَدْيَن” أحد أبناء إبراهيم من زوجه قطورة، وهم من سكان جنوب الأردن وفلسطين وسيناء وشمال الحجاز.
كان جدعون صارماً لا يبالي بأحدٍ في شأن معتقداته، حتى إنه عندما دعاه ملاك الرب ليخلّص قبيلته من المديانيين في جنوب الأردن وسيناء الذين أذلّوهم تحدّى الإله “بعل” الوثني، وهدم مذبح البعل الذي لأبيه، وبنى مذبحاً للرب.
عندما هاجم المديانيين برجاله الثلاثمائة من صفوة المنتخبين انقضّ على ديارهم ليلاً، وأعملَ فيهم السيف والقتلَ بلا رحمة.
استدعى جدعون كل قبائل افرايم ومنسى ونفتالى وأشير للإغارة على مدن المديانيين، فاضطربت أحوال المديانيين حتى حارب بعضهم بعضاً، وفرّوا إلى الأردنّ نجاةً بحياتهم.
قطع جدعون خطوط الرجعة على المديانيين عند مخاضات نهر الأردن، فأسروهم، وقتلوا أميري المديانيين، وهما غراب وذئب، أبناء الملوك، وأتوا برأسيهما إلى جدعون عبر الأردن.
تمكّن ملوك المديانيين “زبح وصلمناع” من عبور الأردن، لكن جدعون لم يتركهم فطاردهم إلى حدود الصحراء، وأسرهما، ثم قتلهما.
جلب هذا القتل والدمار السلام لجدعون ومن معه نحو أربعين عاماً، ولهذا يعتقدون أن السلام لا يأتي إلا بركوب عرباته التي تجرّها الحمير.
كان يتبنّى منهج الإبادة كأسلافه، فكان جيش عشائره يقتل كل ذكر حتى لو كان صغيراً، ويقتلون الفتيات المتزوجات، كيلا يتكاثر المديانيون، ونهبوا جميع مواشي الميدانيين، وأحرقوا كل خيامهم ومساكنهم بالنار حيث وجدوهم.
رمزية جدعون تتجلّى في أنه يمثّل الدعم الإلهي المطلق دون الحاجة إلى القوة المادية، وأنّهم أصحاب حقّ مطلق، وأنهم الشعب المنصور مدى التاريخ، وأنّ من يقاتلهم لن ينجو.