عودة “الدوحة”: شعلة تتجدد في سماء الثقافة العربية- أ.د قيس عبد العزيز الدوري

       يعود الزمن بي إلى الوراء، إلى ذلك اليوم الذي شهد فيه المشهد الثقافي العربي غيابًا موجعًا تمثل في توقف مجلة “الدوحة” عن الصدور. لم يكن ذلك التوقف مجرد انقطاع في سلسلة إصدارات، بل كان خفوتًا لشعلة ثقافية أضاءت سماء الفكر والإبداع لسنوات طويلة. واليوم، وبعد غياب استمر منذ عام 2023، أعود لأرى “الدوحة” تشرق من جديد، في عودة ليست مجرد استئناف، بل هي احتفاء بالتاريخ، وتكريم للجهود، ووعد بمستقبل يزخر بالمعرفة.

إن عودة هذه المجلة العريقة لم تكن وليدة الصدفة، بل هي ثمرة إيمان عميق بقيمة الثقافة ودورها في بناء الأمة، وهو الإيمان الذي يحمله سعادة وزير الثقافة، الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني. لقد كان لسعادته الفضل الأكبر في هذه النهضة، فهو من رأى في “الدوحة” كنزًا لا يجوز أن يندثر، ودعم بعين بصيرته كل الجهود المبذولة لإعادتها إلى الحياة. إن هذا الدعم ليس مجرد قرار إداري، بل هو تقدير واعٍ لمكانة الثقافة كركيزة أساسية في رؤية قطر الوطنية، وتأكيد على أن الثقافة ليست ترفًا، بل هي جوهر التقدم والتنمية.

ولأن لكل مشروع عظيم قائدًا مخلصًا، فقد كان لعودة “الدوحة” قائدها الفذ، رئيس التحرير، الأستاذ مبارك عبدالله آل خليفة. لقد عمل الأستاذ مبارك وفريقه بعزيمة لا تلين، لإعادة الروح إلى صفحات المجلة. إن بصمته واضحة في كل زاوية من زوايا هذا العدد الجديد، من التجديد في الشكل، إلى العمق في المحتوى. إنه ليس مجرد رئيس تحرير، بل هو راعٍ أمين على هذا الصرح الثقافي، يسهر على جودته، ويضمن أن يظل منارة للعلم والمعرفة.

ولا يمكن أن ننسى في هذه المناسبة “الجندي المجهول” الذي يعمل خلف الكواليس بصمت وإخلاص، المستشار جاسم سلمان. لقد كان المستشار جاسم، وفريق العمل بأكمله، بمثابة الأيدي التي أعادت بناء هذا الصرح، فكانوا نموذجًا للعطاء الذي لا ينتظر الشهرة. إن جهودهم المتواصلة، من البحث عن أفضل الأقلام، إلى تدقيق المحتوى وتنسيقه، هي التي جعلت من هذه العودة تجربة ثرية تستحق التقدير.

أما عن مجلة “الدوحة” نفسها، فهي ليست مجرد مجلة ثقافية، بل هي سجل للتراث القطري ونافذة على الثقافة العربية. لقد كانت وستظل منبرًا يجمع بين أصالة الماضي وحداثة الحاضر، وتوثق تاريخ قطر وتراثها الغني، من فنون وعمارة وآداب. إن عودتها اليوم تعني عودة الروح إلى هذا التراث، وتعني أن الأجيال الجديدة ستجد في صفحاتها مرجعًا حيًا لهويتها الثقافية. إنها تحتفي بالفكر، وتدعم الإبداع، وتفتح آفاقًا جديدة للحوار والتواصل بين المثقفين العرب.

لقد كانت عودة “الدوحة” بمثابة عودة صديق عزيز طال غيابه، تحمل في طياتها دفئًا وحنينًا. إنها ليست مجرد مجلة، بل هي حكاية عشق لا تنتهي بين الفكر وورقه، وبين القارئ وكلماته. وإذ أرى هذا العدد الجديد بين يدي، أستشعر الأمل يتجدد، وأدرك أن الثقافة في قطر تسير بخطى ثابتة نحو مستقبل مشرق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى