إكرام الضيف… شيمة عربية وقيمة إسلامية- أ.د قيس عبد العزيز الدوري

قال حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حفظه الله، كلمةً خالدة حين وصف الوقوف مع فلسطين بأنها “قضية مرجلة”. والمرجلة في قاموس العرب ليست مجرد شجاعة في القتال، بل هي قيم وأخلاق وشيم أصيلة: نصرة المظلوم، الدفاع عن الحق، والوقوف مع المستضعفين، وإكرام الضيف، وحماية الجار، ورد الجميل.
فلسطين ومروءة العرب
قضية فلسطين ليست شأنًا محليًا أو إقليميًا، بل هي امتحان يومي لشرف الأمة ومرجلتها. فمن يقف مع فلسطين يقف مع العدالة الإنسانية، ومن يتخلى عنها يتخلى عن شرفه قبل أن يتخلى عن أرض أو شعب. لقد قدّمت قطر في مواقفها المتكررة صورة مشرقة لهذا الفهم الأصيل، فكانت سندًا ثابتًا، وصوتًا واضحًا، وعونًا صادقًا.
إكرام الضيف في الإسلام والعروبة
ومن شيم العرب التي قامت عليها حضارتنا: إكرام الضيف. فقد كان العربي يعدّ الضيافة عنوان مروءته وكرامته، وجاء الإسلام ليؤكد هذه القيمة ويرفعها إلى منزلة الواجب. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» [رواه البخاري ومسلم].
بل إن القرآن الكريم قصّ علينا خبر خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام حين جاءته الملائكة في صورة ضيوف:
{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات: 24].
فأكرمهم وسارع بقرى الضيف، ليكون بذلك قدوة في المروءة والكرم.
وهنا يحسن أن نستحضر الشعر الذي يجسد هذه القيم:
إذا الضيوفُ أَتَوا فأَكرِم وَجهَهُم *** فالضيفُ تاجُ المرءِ زَهوٌ وسَنا
والأرضُ تبقى بالعروبةِ عِزَّةً *** ما دام فيها للكرامةِ موطِنا
فالضيف عند العرب والمسلمين ليس مجرد عابر سبيل، بل هو أمانة، له حق التكريم والرعاية ولو كان غريبًا أو مختلفًا. وقد قيل قديمًا: الضيف ضيف الله ما دام في رحابك.
ومن هذا المنطلق، استقبلت قطر وفود المقاومة الفلسطينية كضيوف أعزاء، فكانت كفيلةً بإعلاء مقامهم وإظهار صورة العرب والمسلمين في أبهى معانيها.
بين فلسطين وضيافة العرب
قضية فلسطين تُذكّرنا أن الكرامة لا تُجزأ: فمن وقف مع فلسطين لا بد أن يقف مع القيم كلها، ومن أكرم وفدًا فلسطينيًا فهو إنما يُكرم نفسه وأصالته قبل أن يُكرم الآخرين. وهنا يظهر المعنى العميق للمرجلة التي أشار إليها سمو الأمير.
وفي هذا السياق، نقول
إن الضيافة لا ينبغي أن تُنتقص يومًا، فهي تاج القيم العربية والإسلامية. والضيف، مهما كانت له ظروف أو إشكالات، يبقى في حماية مضيفه إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا. ومن غير اللائق أن يشعر الضيف في بلد الكرم أنه بلا سند أو بلا عون، لأن ذلك يتناقض مع ما عرف به العرب والمسلمون من كرم وحماية ووفاء.
وكما أن فلسطين أمانة، فالضيف أمانة، بل هما وجهان لقيمة واحدة هي المروءة العربية والكرامة الإسلامية.
كلمة اخيرة أقول
إن قطر، بحكمة أميرها وبأصالة شعبها، كانت وما زالت قبلةً للمرجلة والكرامة العربية والإسلامية، وما نرجوه أن تبقى دومًا على هذا العهد، فلا يضيع عندها ضيف، ولا تُهمل عندها قضية، ولا تُنسى عندها فلسطين. فالمروءة لا تُجزأ، والكرامة لا تتجزأ، والضيف – كما فلسطين – أمانة في أعناقنا جميعًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى