في سياق العلاقات المتينة والمتميزة التي تربط دولة قطر وجمهورية راوندا وشعبيهما الصديقين، تأتي زيارة فخامة الرئيس بول كاغامي رئيس جمهورية رواندا إلى الدوحة، حيث كان في استقباله اليوم حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وجرى خلال المقابلة بحث العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها في مختلف مجالات التعاون، لا سيما في الاقتصاد والاستثمار.
وتعتبر الزيارة مؤشرا على متانة العلاقات بين الدوحة وكيغالي، كما تعكس رغبة وحرص قيادة البلدين على تعزيزها وتقويتها وتطويرها في شتى المجالات لما فيه مصلحة البلدين وشعبيهما الصديقين، وستشكل الزيارة والمباحثات التي ستجرى خلالها فرصة لتعزيز الروابط بين الجانبين ومناقشة مختلف مجالات الشراكة، وستسهم في دفع التعاون الثنائي في كافة المجالات، خاصة في القطاعات التجارية والاقتصادية والمالية والاستثمارية.
وتعد دولة قطر شريكا استراتيجيا لجمهورية رواندا، وتشهد العلاقات بين البلدين نمواً مطردا منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 2017م. فمنذ ذلك الحين يجتمع قادة البلدين بانتظام، وقد ساهمت الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى بين الجانبين في دفع التعاون المشترك في العديد من المجالات الحيوية وتعزيز الشراكة بين البلدين، وفي هذا السياق زار حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى، رواندا في أبريل من عام 2019، وفي يونيو من العام الماضي للمشاركة في الاجتماع السادس والعشرين لرؤساء حكومات الكومنولث، الذي عقد بمدينة كيغالي .. بينما قام فخامة الرئيس الرواندي بزيارات متعددة للدوحة خلال فبراير 2022، وأكتوبر 2021، وأكتوبر 2019، وديسمبر 2019، ونوفمبر 2018.
وعلى الرغم من حداثة العلاقات بين دولة قطر وجمهورية رواندا، إلا أنها توصف بأنها علاقات طموحة وواعدة، وتعكس عزم الجانبين على تعزيزها وتطويرها بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الصديقين، حيث تعمل الدولتان بشكل متواصل على بناء شراكة نموذجية بينهما، وتتعاونان بشأن الكثير من القضايا لخدمة مصالحهما ومصالح الآخرين.
ويرتبط البلدان بمجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تغطي المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتجارية والزراعية والثقافية والرياضية وقطاعات الاستثمار والتعاون في مجال الطيران، وتجنب الازدواج الضريبي، كما وقعت الدولتان اتفاقية استحواذ على 60 بالمئة من أسهم مطار /بوجيسيرا/ الرواندي، ووقعت الخطوط الجوية القطرية اتفاقيتين مع شركة النقل الجوي للسياحة الرواندية، واتفاقية مع هيئة الطيران والخدمات اللوجستية بجمهورية رواندا، وهناك مذكرة تفاهم للتعاون الدفاعي بين البلدين، كما وقعت شركة حصاد القطرية، التي تستثمر في القطاع الغذائي، مذكرة تفاهم مع الحكومة الرواندية، تهدف لفتح فرص التعاون بين الجانبين، ودراسة الفرص الاستثمارية في المجال الزراعي والغذائي.
كما وقع مركز قطر للمال مذكرة تفاهم مع وكالة “رواندا فاينانس ليمتد” لإطلاق مبادرات مشتركة تساهم في تعزيز نمو أعمال مركز قطر للمال ومركز “كيغالي المالي الدولي” وتوسعها دوليًّا، بالإضافة إلى اتفاقية تمكن المسافرين على الخطوط الجوية الرواندية والخطوط الجوية القطرية من الوصول إلى أكثر من 160 وجهة في الشبكات المشتركة من كيغالي والدوحة.
وقد أعرب فخامة الرئيس بول كاغامي في تصريحات سابقة عن رغبة بلاده في تعزيز علاقاتها وشراكتها الاقتصادية مع دولة قطر، مؤكدا أن مسار التنمية في قطر يعتبر مثالا يحتذى. وأكد أن هناك فرصة كبيرة لتطوير التعاون الاقتصادي والتجاري بين قطر وبلاده باعتبارها واحدة من أسرع الاقتصادات نموا في إفريقيا، حيث تقدم رواندا نظاما استثماريا مزدهرا ومستقرا في صناعات مثل المنسوجات والملابس والجلود والزراعة والثروة الحيوانية والصناعة والسياحة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأدوية، فضلا عما يوفره قطاع الخدمات من مساهمة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي، كما أكد أن بلاده تتمتع بالكثير من المزايا الجاذبة للاستثمار، ولكن وجب عليها أن تعتمد على نفسها لتحقق ما تطمح إليه، وذلك من خلال تغيير طريقة التفكير والعمل الجاد والدؤوب.
وتقع رواندا وسط القارة الإفريقية إلى الجنوب من الدائرة الاستوائية ضمن نطاق هضبة البحيرات، وهي دولة داخلية لا سواحل لها، وتتصل بالعالم الخارجي عن طريق جاراتها، وخاصة عبر ميناءي دار السلام بتنزانيا ومومباسا في كينيا، وتزيد مساحتها على ستة وعشرين ألف كيلو متر مربع، ويقدر عدد سكانها باثني عشر مليوناً، يعيش 83 بالمئة منهم بالمناطق الريفية.
وقد شهدت البلاد أوائل تسعينيات القرن الماضي واحدة من أكثر الاشتباكات العرقية دموية في التاريخ، لكنها استطاعت النهوض والوقوف على قدميها من جديد لبناء دولة موحدة مزدهرة، مفعمة بالأمل والنجاح والتنافسية على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
وتعتبر قصة نجاح رواندا أحد الأمثلة المشرقة على قدرة الإنسان على التغيير والتحول، حيث استطاعت هذه الدولة الصغيرة والفقيرة في إفريقيا أن تحقق إنجازات كبيرة في مجالات عدة، بدءاً من تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، وصولاً إلى تحويل اقتصادها من الزراعي التقليدي إلى اقتصاد المعرفة المعتمد على التكنولوجيا والخدمات، وتشجيع الاستثمارات الخارجية، وقد خففت القيود أمام الاستثمار الأجنبي وخصصت حوافز للمستثمرين الأجانب وفتحت أمامهم جميع القطاعات.
وعن هذا المسار يقول فخامة الرئيس الرواندي بول كاغامي، لقد وحدنا صفوفنا وعالجنا اختلافاتنا واستثمرنا في العنصر البشري من خلال التعليم، ووفرنا بيئة مواتية للاستثمار الخارجي، ووضعنا رؤية 2000 – 2021، وأخرى على مدى الـ30 عاما القادمة، وحققنا تكاملا في مجال الطاقة، وعالجنا قضايا إقليمية مع بناء شراكات وعلاقات بإفريقيا والعالم الخارجي، وبذلنا جهودا لاستخلاص أكبر قدر من الدروس، ولم نختلق المشاكل التي تؤرقنا، وبنينا على المكتسبات والمنجزات، لذا نشاهد بلدنا ينمو ونطمح لأن تصبح رواندا دولة متوسطة الدخل خلال الـ30 عاما القادمة.
وتضاهي شوارع العاصمة الرواندية كيغالي، بنظافتها وتنظيمها وتطورها، معظم شوارع العواصم الأوروبية، ولا تخفى عن عين الزائر معالم الطفرة الاقتصادية التي تشهدها تلك البلاد التي يعني اسمها “أرض الألف تل، كما تستقطب رواندا السياح من مختلف أنحاء العالم لما تتمتع به من حياة طبيعية وبرية نادرة وخلابة.