نور شمس… ظلال الغضب المستديم! – د. أسامة الأشقر

• “نور شمس” تركيبٌ رومانسيّ لطيفٌ في ظاهره، لكنّ باطنه حِمَم لاهبة تستمدّ نارها من شمس السهل الساحليّ الرطيب المنخفض الذي تتصل به، وجحيم المعاناة في طرق المخيم الغاضب.
• تاريخ هذا المكان بدأ ثائراً قبل أن يتكوّم المخيّم عليه مطلع خمسينيات القرن الماضي، إذ جعل منه الجيش الإنجليزي معسكر اعتقال كبير ضمّ في جنباته كبار قادة الثورات منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى حلول النكبة عام 1948، وكان المكان هدفاً دائماً لكل ثائر أملاً في أن يحرّر رفاقه المكبّلين فيه حيث كان أكثرهم من المحكومين بالمؤبّد أو الأحكام الطويلة أو بانتظار الإعدام.
• كان نقطة نور شمس أولى محطات ثورة 1936 يوم دحرج الثوار الحجارة الكبيرة على الطريق الموصل إلى نابلس فقطعوا طريق الشاحنات المحروسة بالآلة العسكرية الإنجليزية، وقد زعم العدوّ حينها أنها وحدة عسكرية قادمة من القاعدة البحرية البريطانية في مصر لتستقر في معسكرها الجديد في نابلس، لكن صحافة الأوغاد اعترفت بعد المعركة أن هذه القوة كانت تحمي قافلة من المجلوبين للاستيطان في أرضنا، وكانت معركة فذّة سُجلت بفخر في سجل الثورة.
• استمر الحراك الثوري في نور شمس حيث تشكّلت بيئة حاضنة مأمونة، وقاد الضابط فوزي القاوقجي وحدات من المتطوعين في هذه المنطقة ومحيطها القريب، وكانت لهم عملياتهم المشهودة في بلعا وعنبتا وطولكرم … .
• وليس ثمة ثائرٌ هناك إلا قد مرّ في أحراجها، ونام يقظانَ في غَيْضاتها الملتفّة، وعادت لها الحياة بعد أن دفن الثلج خيام اللاجئين من قرى حيفا في معارك النكبة عام 1948 حيث نزحوا من خيامهم في سهل جنزور في قباطية جنين إلى جنبات وادي الشاعر القريب، وجمعتهم وكالة الأونروا عند السجن القديم سيء السمعة، وبعد سنوات من المماطلة استأجرت الأونروا أرض نور شمس من السلطات الأردنيّة الحاكمة حينها وبدأت بإنشاء القوالب السكنية لهم في هذا المخيم منذ عام 1956.
• لم تنس نور شمس ثأرها، فكنت تعمل بصمت وخفاء، ثم برزت مرة أخرى في أحداث يوم الأرض عام 1976 حين ارتقى ابنها الزهيري مع أيقونات يوم الأرض الذي ما زال يحتفي بها الشعب إلى يومنا هذا، وجعلوه يوماً ثوريّاً يجدّدون فيه العهد على النضال.
• كل بيت في هذا المخيم يحكي لك قصة خيطِ شمسٍ انبعث منه وارتقى إلى الخلد، وكل ساحة صغيرة تختصر لك قصة ثائر رتع فيها، وكل حبة رمل ارتوت من رحيقهم الأحمر، وما تزال.
• وشواهدُ مقبرة المخيم ذاكرةٌ تؤرّخ لك أصل كل ثائر ارتحل إلى العلياء وقريته الأولى، ورأس الخيط من قصّته.
• ولطالما تهدّمت البيوت والمراكز والمرافق والبنى التحتيّة بالجرافات والقصف والنسف، ولطالما عبث الأوغاد في هذا المخيم بلعبة الدمار التي لا يعرفون سواها.
• في طولكرم مخيّمان: مخيم طولكرم في وسط المدينة، ومخيم نور شمس في شرقها، وهما على خطّ واحد في المدينة، وهما معاً على خط الاشتباك مع المخيمات الأخرى في شمال ضفتنا، ولطالما تعانق المخيّمان والتحما في قصص الإباء.
فبوركت سواعد نور الشمس وخيوط سياطها اللاهبة، وبورك أقمارها، ولا نامت أعين الجراد!
وفي وديعة الله أنتم يا ثوّار طولكرم !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى