- نعم نحن الآن بلا هالةٍ للبدر، ولا شعاعٍ للشمس، ولا ندى للأوراق، ولا تغاريد للعصافير، ولا بيت يؤوينا، ولا دفء يلمّ أطرافَنا اليابسة المتشقّقة، وهذا البرد سكاكين تحزِّز أصابعنا المكشوفة تحت رقاع خيمة ضائعة يتسرّب منها الهواء من تحتها ومن فوقها، ويتواطأ عليها المطر ليسقطها فوق رؤوس أطفالنا وكبارنا.
- وقد أصبحت القطط التي كانت تألفنا ونألفها لا تجد إلا أجساد أصحابها الملقاة على الطرقات لتعيش، ونخشى أن تمتدّ أيادينا إليها مضطرين لنأكلها كما أكلتْنا، حتى إن بعضنا بات يكره رؤية الأسماك التي تتجمع على شواطئنا لتلتقط ما يرميه العدوّ من بقايانا في البحر…
- جميعنا ما زال يفرح لأي كلمة تبدأ بـ”هاء” الهدنة، ويستمع بلهفةٍ لإشاعة وقف النار، وجميعنا يكره مَن يصارحنا بأن الحديث عن قرب وقف العمليات هراء وسابقٌ لأوانه، وجميعنا أيضاً يسخر بوجعٍ غاضبٍ عندما يسمع كلمةَ تضامن عربيّة…
- ومع كل هذا الوجع المخنوق فإن أكثر ما يُنعش أرواحنا هو أن نسمع خبراً عن أولئك النفر السُّمُر المنقطعين بين جبال الأنقاض وشقوق البيوت المتهدّمة الذين يأكلون من خشاش الأرض، ويبكون أحبابهم الذين لم يستطيعوا وداعهم بصمتٍ ونشيجٍ، بينما هم يقاتلون بأنقى روحٍ، وأصفَى شرفٍ، وأهدَى سبيلٍ… فبوركت أياديكم يا جندَ الله، فأنتم آخر رمَقٍ حيّ فينا!