تتكرر كل عام مسألة اختلاف الدول العربية والإسلامية في تحديد بداية الأشهر القمرية، وخاصة فيما يتعلق بشهري رمضان وشوال وذي الحجة، مما يؤدي إلى تباين في مواعيد الصيام والعيد، وأحيانًا حتى في وقفة عرفة، ما يثير الجدل بين المسلمين حول الطريقة الصحيحة لاعتماد رؤية الهلال.
أصل المشكلة: بين الرؤية التقليدية والعلم الفلكي
يرجع الاختلاف في رؤية الهلال إلى الاعتماد على الرؤية البصرية التقليدية في بعض الدول، بينما تستند دول أخرى إلى الحسابات الفلكية الدقيقة. والسبب الأساسي لهذا الاختلاف هو عدم فهم بعض الجهات المعنية بالقرار للمعايير الفلكية الصحيحة، مما يجعل بعض الدول تعلن رؤية الهلال بينما هو فلكيًا غير ممكن رؤيته في ذلك التوقيت والمكان.
وقد أكد العلماء أن رؤية الهلال تخضع لعوامل فلكية دقيقة مثل:
1. عمر الهلال بعد الاقتران (ولادته).
2. ارتفاعه عن الأفق وقت الغروب.
3. مدة مكثه في السماء بعد غروب الشمس.
4. نسبة إضاءته مقارنة بخلفية السماء.
5. زاوية البعد بين القمر والشمس، وهي التي تحدد إمكانية رؤية الهلال بالعين المجردة أو بالتلسكوب.
ولكن رغم هذه الحقائق العلمية، لا تزال بعض الدول تعتمد على شهود ربما لا يملكون المعرفة الكافية بظروف رؤية الهلال، مما يؤدي إلى إعلانات غير دقيقة لبداية الأشهر القمرية، فتبدأ بعض الدول صيامها قبل الأخرى، وتحتفل بعض الدول بعيد الفطر بينما تصوم أخرى يومًا إضافيًا.
الأردن والمغرب: دقة في مراقبة الهلال
يعد كل من الأردن والمغرب من أدق الدول العربية والإسلامية في مسألة تحديد غرة الأشهر القمرية، وذلك لأنهما يعتمدان على مراصد فلكية متخصصة، إلى جانب لجان رسمية تراقب الهلال وفق المعايير العلمية الصحيحة.
- في الأردن، تُرفع تقارير علمية مفصلة إلى الملك عبدالله الثاني حول إمكانية رؤية الهلال، ويتم الإعلان عن بداية الشهر بعد التحقق من الحسابات الفلكية والمشاهدة الميدانية.
- في المغرب، يتميز الملك محمد السادس بإشرافه المباشر على مراقبة الهلال، حيث تُرفع إليه تقارير رسمية من جميع المراصد الفلكية في المملكة، مما يجعله من أكثر الدول دقة في إعلان دخول الأشهر القمرية.
مدة مكوث القمر في كل منزلة قمرية
القمر يمر بـ 28 منزلة قمرية خلال الشهر، ويستغرق كل شهر قمري إما 29 يومًا أو 30 يومًا.
- إذا كان الشهر 30 يومًا، فإن كل منزلة قمرية تمكث 24 ساعة و50 دقيقة تقريبًا.
- إذا كان الشهر 29 يومًا، فإن كل منزلة قمرية تمكث حوالي 24 ساعة و10 دقائق.
وهذا الاختلاف البسيط هو ما يجعل بعض الأشهر القمرية تكون 29 يومًا وأخرى تكون 30 يومًا، ويؤثر في تحديد بدايات الأشهر القمرية عند المسلمين.
أهم قاعدة: مراقبة الهلال بعد أذان المغرب بـ 45 دقيقة فقط
وفقًا للدراسات الفلكية، فإن المدة الصحيحة لمراقبة الهلال هي بعد غروب الشمس بـ 45 دقيقة، فإذا لم يُرَ الهلال خلال هذه الفترة، فإن ذلك يعني أنه لم يُولد بعد، ولا يمكن رؤيته، وبالتالي فإن أي إعلان برؤية الهلال بعد ساعة أو أكثر من أذان المغرب هو غير دقيق.
وقد أكدت الأبحاث أن بعض الأشخاص الذين يزعمون رؤية الهلال بعد ساعة أو ساعة ونصف أو حتى ساعتين من أذان المغرب، فإنهم في الواقع يرون كوكب الزهرة وليس القمر. وهذه ظاهرة معروفة لدى الفلكيين، حيث أن الزهرة يكون أكثر إشراقًا من الهلال في بعض الأوقات، وقد يختلط الأمر على غير المتخصصين.
الحل: توحيد رؤية الهلال على مدار العام
لحل هذه المشكلة التي تتكرر كل عام، لا بد من اعتماد نظام دقيق لمراقبة الهلال طوال أيام السنة، وليس فقط في رمضان وشوال وذي الحجة، وذلك من خلال:
1. توحيد معايير الرؤية بين الدول الإسلامية، بحيث يتم دمج الرؤية البصرية بالحسابات الفلكية.
2. إنشاء مراصد فلكية متطورة في كل دولة لمراقبة الهلال يوميًا كما تفعل الأردن والمغرب، بحيث تُرفع تقارير دورية للحكومات حول أوضاع القمر بدقة.
3. استبعاد الشهادات غير العلمية التي تخالف المعطيات الفلكية.
4. استخدام التلسكوبات والتقنيات الحديثة لضمان دقة الرؤية.
5. الالتزام بالتوصيات الفلكية وعدم الاعتماد فقط على الشهود الذين قد لا تكون لديهم خبرة كافية في رؤية الهلال.
خاتمة
إن مراقبة الهلال بشكل يومي، وليس فقط في المناسبات الدينية، سيساعد في القضاء على الجدل والاختلاف المتكرر، وسيوحد الأمة الإسلامية تحت تقويم قمري دقيق، مما يعزز وحدة المسلمين ويمنع التضارب في مواعيد عباداتهم. كما أن الالتزام بالقاعدة الفلكية الصحيحة لمراقبة الهلال بعد أذان المغرب بـ 45 دقيقة فقط سيمنع الأخطاء الناتجة عن الخلط بين الهلال وكوكب الزهرة، مما يضمن إعلانًا دقيقًا وصحيحًا لبداية الأشهر القمرية.
ولمن يريد الاطلاع على منازل القمر بالتفصيل، يمكنه الرجوع إلى كتابي “علم الفلك وتأثيراته” الذي تم نشره في العام 2003 في بغداد. يتناول الكتاب بشكل موسع التفاصيل الفلكية المتعلقة بحركة القمر، منازله، وكيفية تأثيرها على التقويم الهجري والعديد من الظواهر الفلكية الأخرى التي تؤثر في تحديد مواعيد الأشهر القمرية .