التركيبة السيكولوجية القطرية: مناعة وطنية ضد الأزمات – أ. الدكتور قيس عبدالعزيز الدوري

لطالما شكّلت قطر نموذجًا فريدًا في المنطقة والعالم من حيث صلابة الموقف، ومرونة الإدارة، وسرعة التكيف مع المتغيرات، وهي خصائص متجذرة في التركيبة السيكولوجية القطرية التي صاغتها القيادة الحكيمة على مدار عقود. هذه التركيبة ليست محض صدفة، بل هي نتاج تراكمات تاريخية لأزمات تحولت إلى فرص، ومواقف عززت مناعة الوطن ضد التحديات.

يصدق في حق هذه السيكولوجية الوطنية قول المجاهد الشهيد عمر المختار: “الضربة التي لا تقصمك، تقوّيك”. فقد أثبتت قطر، مرة بعد مرة، أن كل أزمة تمر بها لا تضعفها بل ترفع منسوب قوتها وتُحصِّن بنيانها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

في عام 1966، كانت الروبية الهندية تُستخدم كعملة في قطر، وحين قررت الهند خفض قيمتها في خطوة مستغربة، حاولت بذلك فرض واقع اقتصادي جديد يُقيّد حركة قطر المالية. إلا أن القيادة القطرية حينها لم تقف مكتوفة الأيدي، بل ردّت بحزم وذكاء، فألغت الروبية، وأطلقت عملة موحدة مع دبي، لتعود لاحقًا وتُصدر الريال القطري المستقل، رمز السيادة المالية والهوية الوطنية.

ومع تطور الزمن، لم تتوقف القيادة عند الاستقلال الرمزي، بل واصلت تحديث العملة القطرية حتى أصبحت تُطبع اليوم على ورق البوليمر، بما يحمله من مواصفات أمنية متقدمة تجعله مقاومًا للتلف والتزوير، في تجسيد فعلي لمفهوم “السيادة الذكية”.

ثم جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008، لتكون اختبارًا حقيقيًا للجاهزية القطرية. وبينما عصفت بالأزمات أنظمة مالية ضخمة حول العالم، خرجت قطر بأقل الخسائر، ثم سارعت إلى بناء استراتيجيات اقتصادية جديدة تعتمد على تنويع مصادر الدخل، وتعزيز الاستثمار الداخلي والخارجي، ما رسّخ استقرارها المالي.

أما حصار 2017، فكان لحظة فاصلة في التاريخ الحديث للدولة. كان هدفه كسر الإرادة القطرية، لكنه في الواقع منحها دافعًا جديدًا للاكتفاء الذاتي، وتحقيق نهضة صناعية وزراعية وتجارية، إلى جانب تطوير المنظومة الدبلوماسية القطرية التي أثبتت للعالم حكمتها وثباتها.

وفي مواجهة جائحة كوفيد-19، قدمت قطر مثالاً يحتذى به في إدارة الأزمات الصحية، من خلال بنيتها التحتية الطبية المتطورة، وخططها السريعة لاحتواء الفيروس، ومبادراتها الإنسانية التي امتدت إلى شعوب كثيرة حول العالم.

كل تلك المحطات تؤكد أن التركيبة السيكولوجية القطرية ليست مجرد توجهات عابرة، بل هي مناعة وطنية ضد الاستغلال، تستند إلى وعي عميق، وقدرة قيادية استثنائية، واستعداد دائم للتحول السريع من موقع التلقي إلى موقع الفعل والتأثير. إنها خلايا “أنتي فايروس” في جسد الوطن، لا تكتفي بالحماية، بل ترد العدوان وتبني بعد كل أزمة صرحًا جديدًا من الإنجاز.

ورغم هذه الصلابة، تبقى قطر صاحبة اليد البيضاء، الداعمة للسلام، والمبادِرة في تقديم العون، تحت قيادة سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ومؤسس النهضة الحديثة سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، حفظهما الله، وحفظ قطر أرضًا وشعبًا وحكومة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى