التقسيم السياسي في لبنان لايخضع لوطنية بحتة، بل ان الأولوية للطائفة وزعيم الطائفة ، ومن ثم الوطن . وكان التقسيم في اتفاق الطائف عام 1989 هو ان يكون رئيس الجمهورية مسيحي ماروني وان يكون رئيس مجلس الوزراء مسلم سني ورئيس مجلس النواب مسلم شيعي ولا يحق لأي مسيحي او درزي او مسلم ان يكون رئيس جمهورية ولا يحق للمسيحي او الدرزي او الشيعي ان يكون رئيس وزراء ولا يحق للسني او الدرزي او المسيحي ان يكون رئيس مجلس النواب ، فاين هي الوطنية ومع هذا لا يحق للرئيس الوزراء ان يشكل حكومة الا بنسبة تفرض علية من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب وتسمى في احدى هذه النسب النسبة المعطلة اي المعرقلة لعمل الحكومة!
وتعمل حكومات لبنان المتعاقبة على هذا الأساس ، ولم تكن عرقلة عمل هذه الحكومة جديدة بل تكررت عدة مرات ، وكان الرئيس الشهيد رفيق الحريري استقال عدة مرات لنفس الاسباب ، وهل نسبة الولاء للوطن حسب الطائفة ؟
هذه ديمقراطية عرجاء لن تخلق الا الحلول المؤقتة اي الحقن المسكنة، ولا تخلق العلاج الشافي للوطن وكان آخرها مظاهرات لبنان الأخيرة واطلاق شعار ” كلن يعني كلن ” يعني الرئيس سعد الحريري والوزراء المحسوبين على الجميع . وبعد ان وصل الرئيس الحريري الى طريق مسدود مع شركائه في الحكم تقدم باستقالته تليبة لشعار ” (كِلُنْ يعني كِلُنْ ) ، ولكن لم يستقيل الرئيس نبيه بري ونوابه ولا رئيس الجمهورية الذي كان احد وزرائه سبباً من اسباب المشكلة ، ومن وجهة نظري ان الوزير المقصود هو رئيس الجمهورية الفعلي وهو جبران باسيل بل كان هو أول من القى كلمة للمتظاهرين مع انه وزير خارجية ، ولم تكن كلمتة من وزارته بل من قصر بعبدا وكأنه رئيس الجمهورية وليس وزيرا للخارجية . ولقد اثبت فعلياً ان الرئيس سعد الحريري هو اكثرهم وطنية ومن (كِلُنْ يعني كِلُنْ ) !
ولكي نعود قليلاً الى سنوات مضت ، أقول ان شعار الحراك المدني الشعبي “طلعت ريحتكم” قد أصاب في الجمع بين أزمة تراكم النفايات والأداء السيئ للحكومة ، وكذلك أصاب شعار (كِلُنْ يعني كِلُنْ ) في الاشارة الى مسوؤلية الجميع لما وصلت اليه أزمة النظام السياسي في لبنان . فالكل يعرف ان بنية الفساد في لبنان ارتبط ارتباطاً وثيقاً بطبيعة النظام السياسي القائم على الطائفية ، وما تحتاجه هذه القوى والقيادات والتكتلات السياسية الطائفية المناطقية من اقتناص للخدمات وتعزيز لنفوذها على حساب الدولة ومؤسساتها، من أجل استمرار الحصول على ولاء الجمهور. ومن الطبيعي والحال كذلك ان تضعف الدولة ومؤسساتها، لا بل إن ضعفها هو من أسباب وجودها ومسيرة إضعاف الدولة تستمر باضطراد. فلم يحاسب أو يُسقط هذا النظام اية حكومة أو حتى وزيراً واحداً منذ الاستقلال. وفي ظل الدولة الضعيفة، يغيب الفصل الواضح بين العام والخاص، بين المصلحة العامة والخاصة والمال العام والخاص وهنا تكمن المشكلة !
حفظ الله لبنان الشقيق وشعبه وصرف عنه كيد من يريد اعادته الى سنوات الإقتتال والفرقة والتناحر !