الغلظة في الله – د. أسامة الأشقر
وعندما رأيته يختال وهو يقتحم عليهم صياصيهم التي يُظاهرون فيها علينا من قبلُ كتبتُ لهم:
- إنّك عندما تكون معتزّاً بالله مقبلاً عليه ومقاتلاً في سبيله غير مكترث بالناس فإن خيلاءك على العدوّ عبادة، واحتقارك لهم شريعة مستثناة، ومراغمتك لهم صدّيقيّة محمودة.
- وذلك أن النخوة الشريفة قد أصابتكَ، وأنّ الله قد منحك الإذن في أن تخرق الأرض بقدمك، وأن تبلغ الجبال طولاً وتِيهاً عليهم، وفي الحديث المرفوع المعتبر: ” وأمّا الخُيَلاء التي يحبُّها الله فاختيالُ الرجل في القتال، واختياله عند الصدقة”.
- وإنّ هناك استكباراً بحقٍّ، وهو التعاظم على أهل البغي والكفر والظلم، واسمع قوله تعالى (بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحقّ).
- وعندما تجرّد لكم بحقّه في مَحلّ وجوبه السيفُ البتّار لم يجعلك اللهُ من أهل الأَدبار، وأكرمكَ بصرفِ الفتور عنك والإدبار، ولم يضعكَ مع ذوي العجز ومخترعي الأعذار.
- وإنّما جاز لك ذلك، وصار محبوباً بحقّك لأن الصواب بدور مع فعلكَ، والحق يتحرك صَوْبك بما فعلتَ، ولأنّ وزنَك قد زاد، وقيمتك ترفَّعت بما أصبتَ منهم.
- والسبب الأكبر أنّك لا تدري إن كنتَ تحيا بعد مشيتك هذه، ولا تطمع أن يكون لك وجهٌ عند أحد إلا الله فأبيح لك الخيلاء، ومعه لباسُ الحرير أيضاً.
- إنّها روحٌ من الله في جوانب جُبّتك، وبابٌ من بركاته مفتوحٌ عليك فاستفتِح به عليهم، فقد أخذتَ السيف بحقّه عندما تردد الناس، واستحققتَ جائزة العيد في موسمٍ نادرٍ باركَكَ به الربُّ المُتَعال، وأذِن لك في دخول مهرجان عيده والاحتفاء به في يوم المِثال.
- وإنّكَ الليثُ عادِيَاً فادْحَص برجليك، وتخلّع في مشيتك إن شئتَ، وتخايَلْ عليهم كما تخايَل الطاووس في ربيع زَهْوه وموسم انتشائه، وأظهِر عليهم كِبرَك وعُجبك، فإنّ ذلك مما يذلّهم ويَدْحَض عجرفة رؤوسهم.
- فإذا جالَت بندقيّتك فيهم، وصدَقتَ القتالَ بها كما صدَق بها الأوّلون السّابقون، فهاكَها حميداً، واغسِل الدمَ بعرق يدك الشريفة!
- وإنّي لأحسبُ أن قدوتنا حمزة بن عبد المطلب، وكأنّي أراه يوم بدر معلّماً بريشة نعام طويلة ناعمة في صدره، ليدلّ فرسان العدوّ عليه فيشتفِي منهم؛ وكذا كان الزبير يعصب رأسه بعصابة صفراء، وأما علي بن أبي طالب فكان يعلم نفسه بصوفة بيضاء.
- وهم لا ينسون شيخهم الكبير أبا دجانة، وقد عصب على رأسه عصابة الموت الحمراء ليحقق موعوده لخليله رسولِ الله صلوت ربي وسلامه عليه، يروي الزبير بن العوام أنّه عندما التحم الجيشان واشتد القتال، وشرع رسول الله يشحذ في همم أصحابه أخذ سيفاً وقال: من يأخذ مني هذا؟ فبسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا ـ والزبير منهم ـ قال: فمن يأخذه بحقه؟ فأحجم القوم، فقال أبو دجانة: وما حقُّه يا رسول الله؟ قال: أن تضرب به العدو حتى ينحني؛ قال: أنا آخذه بحقه؛ فدفعه إليه، وكان رجلاً شجاعاً يختال عند الحرب ـ أي: يمشي مشية المتكبر ـ وحين رآه رسول الله ﷺ يتبختر بين الصفين قال: (إنها لمِشْيةٌ يُبغضها الله إلا في هذا الموطن)، فما أعسل مِشيتك وأكرمها يا أبا دجانة عصرك، وإن لله جنوداً منها العسل يا أصحاب أبي دجانة، وأنتم العسل الباقي واللهِ !