زيارة ترامب للخليج العربي (السعودية، قطر، والإمارات) بعد أول مئة يوم من ولايته: تحليل ودور قطر المميز- أ. د قيس عبد العزيز الدوري

    بعد مرور مئة يوم تقريبا على توليه رئاسة الولايات المتحدة، اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن تكون أولى زياراته الخارجية إلى منطقة الخليج العربي، وتحديداً إلى السعودية، قطر، والإمارات. وهذه الزيارة تحمل دلالات سياسية واستراتيجية عميقة، لا سيما في توقيتها ومضامينها، وتعكس الأهمية البالغة التي توليها الإدارة الأمريكية الجديدة للمنطقة، سواء من حيث المصالح الأمنية أو الاقتصادية.

التحليل السياسي للزيارة
1. إعادة رسم خارطة التحالفات: جاءت زيارة ترامب في وقت كانت فيه المنطقة تمر بتحولات سياسية واقتصادية حساسة. وقد حرص ترامب على التأكيد على دعم الولايات المتحدة لحلفائها التقليديين، مع توجيه رسالة واضحة بأن إدارته تنوي استعادة الهيبة الأمريكية والتواجد المباشر في ملفات الشرق الأوسط.
2. محور مكافحة الإرهاب: كانت محاربة الإرهاب محوراً أساسياً في خطابات ترامب، وشكلت هذه الزيارة فرصة لبناء تحالفات جديدة أو إعادة هيكلة التحالفات القائمة، لتشمل تقاسم الأعباء الأمنية والاستخباراتية.
3. الصفقات الاقتصادية والعسكرية: كانت الزيارة أيضاً بوابة لعقد صفقات ضخمة، خاصة في مجالات الدفاع والطاقة، بما يخدم الأجندتين الأمريكية والخليجية، ويدعم اقتصادات الدول المعنية، وخاصة قطر التي برزت كشريك مهم في هذا الإطار.

دور قطر وتموضعها في الزيارة

رغم كون السعودية كانت المحطة الأولى والأكبر في زيارة ترامب، فإن زيارة قطر لم تكن أقل أهمية، بل كشفت عن مكانة استراتيجية بارزة تتمتع بها الدوحة، ويمكن إبراز هذه الأبعاد في النقاط التالية:
1. الشراكة الدفاعية المتينة: تستضيف قطر أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط (قاعدة العديد)، ما يجعلها شريكاً لا غنى عنه في أي استراتيجية أمنية أمريكية في المنطقة. ترامب خلال زيارته كان مدركاً تماماً لهذا الدور، وأعطى إشارات إيجابية حول استمرار وتعميق التعاون الدفاعي مع الدوحة.
2. البراغماتية السياسية والدبلوماسية القطرية: أظهرت قطر خلال السنوات السابقة قدرة عالية على لعب أدوار دبلوماسية متوازنة، حيث نسجت علاقات جيدة مع مختلف الأطراف، من الولايات المتحدة إلى إيران وتركيا. وقد انعكس هذا في استعداد واشنطن لإبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع الدوحة، رغم ما شاب العلاقات الخليجية من توترات لاحقاً.
3. الاقتصاد والدور الإقليمي: أثبتت قطر، بسياساتها الاقتصادية المرنة واستثماراتها العالمية، أنها ليست مجرد “دولة صغيرة” كما يصفها البعض، بل لاعب اقتصادي مؤثر. وهذا ما أشار إليه ترامب ضمناً في لقاءاته، حيث تم بحث شراكات اقتصادية واستثمارات متبادلة تخدم الطرفين.
4. القوة الناعمة والإعلامية: لا يمكن إغفال دور قطر في توظيف أدوات القوة الناعمة، من خلال الإعلام والتعليم والرياضة، وهو ما عزز من صورتها العالمية، وجعلها قادرة على التأثير حتى في الخطاب الأمريكي تجاه المنطقة.
وخلاصة القول
زيارة ترامب المبكرة إلى الخليج لم تكن مجرد زيارة بروتوكولية، بل كانت محطة استراتيجية لرسم خطوط السياسات الأمريكية الجديدة. أما قطر، فقد برزت كدولة تتقن فن التوازن، وتجمع بين صلابة التحالف مع واشنطن والقدرة على التحرك الذكي في بيئة إقليمية معقدة. وقد أكدت الزيارة أن لقطر وزناً يتجاوز مساحتها الجغرافية، وأنها شريك رئيسي في معادلات الأمن والاقتصاد والسياسة في المنطقة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى