سبّب التباعد المذهبي بين السعودية والإمارات حاجزاً منيعاً
للتقارب بينهما في التاريخ الحديث. فما الذي حصل الآن لنرى هذا الإنصياع التام من
السعودية حتى أصبحت الكثير من قراراتها “إن لم تكن كلها” تصدر من أبوظبي؟
بعد الخلاف الحدودي بين السعودية والإمارات الذي طفا السطح عامي
٢٠١٢ و ٢٠١٣ والذي وصل إلى حد إطلاق النار بينهما في منطقة أبو قميص الحدودية،
درست الإمارات كل الحلول المطروحة، وتوصلوا حينها لأنسب الحلول، وهو “العمل
على إطاحة السعودية من الداخل” ليتسنى لهم توسيع حدودهم الجغرافية لإسترجاع حقل
الشيبه الحدودي ذو المليون وثلاثمائة الف برميل نفط يومياً والذي تنازلت عنه
الإمارات للسعودية في عهد الشيخ زايد قبل إكتشافه عام ١٩٧٤ مقابل تنازل السعودية
عن جزء من واحة البريمي.
عمل محمد بن زايد بكل جد وإجتهاد نحو هدفه، وكانت أولى هذه
الخطوات العمل على تحويل المملكة العربية السعودية إلى المملكة العربية
“النهيانية”، حاول مراراً وتكراراً دون كلل أو ملل، حتى بدأت الخطة تؤتي
أُكلُها تحديداً بعد وفاة الأمير نايف بن عبدالعزيز الذي كان عائقاً كبيراً
لنجاحها، لعلمه بخبث نطفة محمد بن زايد ومكائده وشخصيته المتكونة من عقد متراكمة
في نفسه منذ الصغر. في هذه المرحلة إستطاع محمد بن زايد تجنيد كل المحيطين بصناع
القرار السعودي، وكان خالد التويجري رئيس الديوان الملكي في عهد الملك عبدالله أحد
أكبر غنائمه التي تخلص منها لاحقاً الملك سلمان عند وصوله للعرش.
بعد وصول الملك سلمان للسلطة، كان العائق الأساسي لمخطط محمد بن
زايد هو ولي عهد السعودية آنذاك الأمير محمد بن نايف فقام على تحريض الأمير
المغمور محمد بن سلمان “المبهور بالتجربة الإماراتية بالإنفتاح على
العالم” للتخلص منه ونجح في ذلك. بعدها سيطر على كل مفاصل الدولة بإتّباعه
لأوامر عرّابه في أبوظبي.
نجح محمد بن زايد بإطالة أمد حرب اليمن ظنّاً منه بأنه سينجح في
الإستيلاء على خيراتها أولاً، و لإغراق السعودية في تكاليف تلك الحرب وتكاليف
إعادة إعمار ما ستخلّفه لاحقاً، وبان في الصورة أمام المجتمع السعودي ذلك الحليف
الذي لا يمكن الإستغناء عنه، بينما يعمل في الجانب الآخر على دعم الحوثي لقصف حليف
العلن وعدو الخفاء الذي استطاع أن يصل إلى العمق السعودي وقصف مطاراتها مع العلم
بأنه لا يملك أيّاً من مقومات التكنلوجيا الحديثة. وإستطاع أن يقنع الحليف العدو
بأن إيران هي التي تدعم الحوثي مع العلم أنه هو وحده من يسيطر على الممرات المائية
في اليمن، فكيف للسلاح الإيراني أن يصل؟
كل هذه الحقائق إستطاع الترويج لها عبر أذرعه في البلاط الملكي
المخترق الذي سيطر عليه بالمال القذر ترغيباً وبملفاتهم الإستخباراتية ترهيباً،
وبإستخدام أدواتهم الإعلامية التي سيطر عليها مسبقاً بتقديمه الكثير من التسهيلات
المالية الكفيلة بتدمير أي مؤسسة لعلمه المسبق بأنها ستعاني لاحقاً من عدم قدرتها
على السداد. فتقوم تلك المؤسسات حينها بتقديم الإنصياع التام له بإتباع أجنداته
الخبيثة أيّاً كانت تجنباً لتسليط سيف قضائه على تلك الصروح الكرتونية.
اليوم نرى جميعاً سعي محمد بن زايد الحثيث على إشعال فتيل الحرب
في المنطقة من خلال تطبيل إعلامه للضربة الأمريكية على إيران بعد إسقاط الأخيرة
للطائرة الأمريكية المسيرة التي إخترقت أجواءها، الهدف من ذلك ليس القضاء على
إيران التي تمول إقتصاد بلده بعشرات المليارات من الدولارات سنويّاً، بل الهدف هو
قصف إيران للسعودية بضربات يعلمها كل جاهل في الأمور العسكرية، وهي إستهداف محطات
توليد الكهرباء والماء فيها ، وهذا يكفي لإثارة حرب أهلية قادرة على إنهاء الدولة
السعودية الثالثة. ويستمتع MBZ وقتها بالأحداث المؤسفة، وينتظر حتى
تسنح له الفرصة المواتية ليستولي على ما يريد من الغنائم.
وأخيراً: نحمد الله أن جنّب المنطقة هذه الحرب العبثية التي
تضاربت مع مصالح ترامب الإنتخابية. ولكن حذاري حذاري من الحليف العدو، فهو كالحيّة
التي لن تتوقف عن السعي لتحقيق إمبراطوريتها التي لا يريدها أن “تقف على
سيقان دجاجة” كحالها اليوم.