- لطالما كان النظر إلى أولئك المثبطين عن مناصرة أهل الثغور أنهم من أهل الإرجاف السالكين مسلك المنافقين لشدة المشابهة بين سلوكهم وسلوك هؤلاء.
- فهم يُغْرون الناس بصلاحهم وشهرتهم ومكانتهم، ويُفسدونهم بخلافهم ونذالتهم وسوء طويّتهم، إذ يتزيّون بلباس المعلّمين، وسيما المثقفين، ولسان المتدرّبين.
- وأشد فتنتهم أنّ الناس تظنّهم منّا، فإذا رأوا خروجهم عن الرأي الجامع والصف المانع فإنهم لا يقولون إن هؤلاء خارجون عن الصف، بل يقولون إن الصف أعوج كلّه.
- وإننا في أتون هذه الحرب الجارفة الكاشفة يخرج علينا منهم أقوام جفاة غلاظ الأكباد بألسنة حِداد، يَسخرون من ثباتنا، ويسخّفون نضالنا والتزامنا، ويهوّنون من نزف دمائنا، ويسفهّوننا، ويندّدون بنا، ويحرّضون علينا، ويتظاهرون بالتعاطف معنا.
- وإذا نظرتَ إليهم فستراهم معجونين بطينة الكِبر، ووحل التطرّف، ووخامة الحقد، وسلاطة الدّعاء، وكأنهم تفرّزوا من جيناتِ شيطانٍ خصِيّ يزعم أنّه مهديّ أو نبيّ.
- وما أشبه هؤلاء بسيدّهم الأول الجرّاح بن سنان الأسديّ الذي افترى على خال رسول الله ﷺ سعد بن أبي وقاص وأول من رمى في سبيل الله وأحد العشرة المبشرين بالجنّة، إذ سعى الجراح بالفتنة على والي سعدٍ والي الكوفة سنة 21 هـ في خلافة الفاروق عمر بن الخطاب، وأكثر الشِكاية عليه في الوقت الذي كانت فيه قيادة فارس تراسل حامياتهم لتحتشد في نهاوند لمقاتلة جيوش الفتح المسلمين، ولم يتركوا ملامةً ولا منقصةً إلا ألصقوها بسعدٍ حتى اتهموه بأنه لا يُحسن الصلاة رغم أنه يصلي كما صلّى رسول الله نفسه، لِما يظنون في أنفسهم من العلم المدّعَى، فأرسل الفاروق من يتحرّى عن واليه وهو الصحابي محمد بن مسلمة، فكان لا يسأل أحداً من أهل الكوفة عن سعد إلا ذكره بخير، إلا جماعة الجراح هؤلاء فإنهم كانوا يسكتون ولا يذكرونه بأي خير فيه، وظن محمد بن مسلمة أنّهم يتعرضون للتهديد فحلف عليهم أن يقولوا فاتهموه بما ليس فيه وافتروا عليه افتراء عظيماً، فدعا عليهم سعد بدعاء شديد استأصلهم واحداً واحداً.
- وهناك أعلن الفاروق عمر بخبرته وفراسته وهو المُلهَم المحدَّث بمثل ما نقوله الآن عن هذه الفئة المنحرفة التي تستعلي علينا في هذا التوقيت الذي لا يحتمل من أحد إلا نصرة أهل الحقّ، وكأنّه يتهم ملأ الجرّاح بخيانة الأمّة، يقول عمرُ فيهم: إن الدليل على ما عندكم من الشرّ نهوضُكم في هذا الأمر، وقد استعدّ لكم مَن استعدوا.
- وقد تطاول هذا الجرّاح الأسدي في تطرّفه وجنونه الفكريّ حتى حاول اغتيال سبط رسول الله ﷺ الحسن بن عليّ، وضربه بمعول في أصل فخذه، واتّهمه بأنه مشركٌ واتهم أباه الخليفة الراشد علي بن أبي طالب بأنه مشرك مثله، ولولا أن الحسن ضاربه وأسقطه عن دابته، وتمالأ رفاق الحسن عليه فقطعوا أنفه وردموه بالحجارة فمات مخذولاً حقيراً.
- فادعوا معنا بمثل دعاء سعد بن أبي وقاص عليهم: اللهمّ أعْمِ أبصارَهم، واقصِفْ أعمارَهم، واشغلهم بأنفسهم في أنفسهم، واجهَدْ بلاءَهم، وعرّضهم لمضلّات الفتن، واقلِب عليهم من يخونوننا لأجلهم.