1. وقد ذكروا أن فكّ الرقبة أنواع: فمنها فكّ الأسير، ومنها الإعانة على العتق من عبودية الرقّ، أو تخليص المرء من دَين يغرمه ويسجنه دهراً طويلاً.
2. وقد أُخذ فكّ الرقبة في الأساس من فكّ الأسير أيْ حلِّ قيدِه؛ والرقّ والعبوديّة قيدٌ، وسُمّي المسترقّ رقبةً لأنه كالأسير المربوط في رقبته، وسمي عتقُها فَكّاً كفَكِّ الأسير من الأسر.
3. وإنّي لأحسبُ أن فكّ رقبة الأسير من يد العدوّ هو في مرتبة العتق من العبودية، وذلك أن مقصودهما واحد وهو الحريّة، والتخليص من النقص، وكثيراً ما رغّب رسول الله في فكّ العاني الأسير والتداعي إلى ذلك؛ وأتوقّفُ هنا فحسبُ في مسألة حصول الكفّارة الشرعيّة بهذا الفكّ في المسائل التي تنصّ على خيار العتق فذاك باب اجتهاد لدى مجامع الفقهاء.
4. وفكّ الرقبة أفضل من الصدقة العامّة في هذا الظرف، ولهذا فإن إسناد العاملين على فك الرقبة أفضل من دفع الصدقات في عموم المصالح، لاسيما أنه داخل في مصارف الصدقة: (وفي الرقاب)، وقد نصّ بعض الفقهاء على أنّ سهم فكاك الأسارى داخل في هذا المصرف.
5. وعلى هذا فمَن استنقَذ أسيراً من يد العدوّ فكأنه أعتق رقبة مؤمنة، واستحقّ إن شاء الله ما وعدَه به رسوله بأنّ الله يستنقِذ بكل عضو أعتقه من هذا الأسير عضواً منه من النار كما في الصحيحين؛ واستحق الوعدَ بأنّ من يستنقذ امرأتين مسلمتين من الأسر فإنهما تكونان فِكاكَه من عذاب النار كما في حديث الترمذي.
6. وأستذكِر دائماً ما اجتهد فيه أصحاب رسول الله قبل صلح الحديبية عندما حرصوا على تبييض سجون قريش من أسارى المسلمين، يقول: (فشَدَدْنا على ما في أيدي المشركين مِنّا، فما تركنا فيهم رجلاً منّا إلا اسْتَنْقذناه).
7. وهي سنّة أبينا إبراهيم الخليل – فيما زعموا- حين بلَغه أن قوماً أغاروا على نبي الله لوط فعقدَ لواءً وسار إليهم بعبيده ومواليه حتى أدركهم فاستنقذه وأهلَه منهم.
8. وقد أكد الخليفة عمر الفاروق هذه السنّة بشعاره الحاسم: لأَنْ أَسْتَنْقِذَ رجلاً من المسلمين من أيدي الكفّار أَحَبَّ إليّ مِن جِزْية العربِ.